Please login to verify this Profile
بحث قانوني عن مدي شرعية وجود الشركات العسكرية الدولية الخاصة .
الجوانب القانونية والسياسية
للشركات العسكرية الدولية الخاصة
الدكتور
السيد مصطفي أحمد أبو الخير
الخبير في القانون الدولي
مقدمة
تتناول هذه الدراسة الجوانب القانونية والسياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة لبيان مدي شرعية وجود هذه الشركات وشرعية المهام التي تقوم بها في فصولين، الفصل الأول أختص بالجوانب السياسية لهذه الشركات وتكون من ثلاثة مباحث، الأول لنشأة وتطور ظهور هذه الشركات وفي الثاني ذكرنا أسباب ظهور هذه الشركات وفي الثالث أوضحنا المهام التي توكل إلي تلك الشركات وقد تبين لنا أنها ذات المهام الموكلة إلي الجيوش النظامية وقوات الأمن والشرطة في الدول وأساليب وطرق عمل تلك الشركات التي تميزت بالسرعة والقسوة غير المبررة. والفصل الثاني بعنوان الجوانب القانونية للشركات العسكرية الدولية الخاصة وتكون من ثلاثة مباحث الأول عرضنا فيه لموقف كل من المؤيدين والمعارضين لوجود وعمل تلك الشركات، وفي الثاني تناولنا الجهود الوطنية والدولية بشأن تلك الشركات من جهود دول الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية، وفي الثالث بينا التكييف القانوني لهذه الشركات في القانون الدولي.
الفصل الأول
الجوانب السياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة
ظهر ت علي الصعيد الدولي بسرعة – رغم وجودها منذ زمن- ظاهرة الشركات العسكرية الدولية الخاصة التي تأخذ من القتل والحروب تجارة لها، وكانت مأساة العراق وما أثارته من مشاكل وأزمات سببا لظهور هذه الشركات علي السطح، مما استلزم دراستها وبيان الجوانب القانونية والسياسية لها، ونتناول في هذا الفصل الجوانب السياسية لهذه الشركات في مباحث ثلاثة الأول: لنشأة وتطور هذه الشركات والثاني لأسباب ظهور هذه الشركات والثالث لمهام وأساليب وطرق عملها.
المبحث الأول
نشأة وتطور الشركات العسكرية الدولية الخاصة
ترك الاستعمار الغربي لدول العالم العربي والإسلامي في أفريقيا وآسيا خلفه ظاهرة بغيضة تسمى (المرتزقة) أو (mercenaries) عبارة عن مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين ممن يبيعون خدماتهم العسكرية للحكومات أو رؤساء دول وصلوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية مدبرة وبغير رغبة شعوبهم، حتى أصبح من الطبيعي أن نشاهد حاكما من دول العالم الثالث يحرسه مرتزقة أجانب، أو حكومة ديكتاتورية تستأجر عملاء ومرتزقة أجانب لحمايتها بقوة السلاح من شعبها والتصدي لحركات المقاومة الوطنية..
وساعد على انتشار هذه الظاهرة في الربع الأخير من القرن الماضي الصراع بين القوى الدولية على ثروات العالم الإسلامي مع غياب وعجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين، وقد أنشئت أول شركة لذلك من طرف عضو سابق في الفرقة البريطانية الخاصة (جيم جونسون) وكان زبائنه في البداية من شخصيات سياسية وتجارية دولية، وكان العمل يقتصر على توفير الحماية وتدريب الحراسات الخاصة، وقد أدي التنافس بين الشركات الخاصة إلي تنشيط هذه المهنة وسرعان ما انتقل عمل هذه الشركات من الحماية الأمنية الخاصة إلى المشاركة في النزاعات والحروب كما حدث في انجولا وزائير ثم انتقلت الفكرة إلي أمريكا وبدأوا في تأسيس شركات أمن خاصة وكانت أهمها (كي بي أر) المملوكة من طرف (هليبورتون) من عام 1962م، ثم نوعت نشاطها من عام 1980م، وقد تطور هذا السوق وتلك التجارة من خلال إقامة علاقات بأجهزة المخابرات البريطانية والأميركية ووزارة الدفاع الأميركية( ).
إن اللاعبين الأساسيين في هذا السوق الشركات الأميركية الكبرى خاصة شركات كي بي أر، بلاك ووتر، دين كورب وهي قادرة على تقديم عاملين على خطوط الجبهات الأمامية والخلفية، والجيش الأميركي هو الزبون الأهم في العالم لهذه الشركات، ففي حرب الخليج الثانية(1991م) قامت شركات اللوجستيك بتحصيل مبالغ مالية كبيرة نظير توظيفها ما يعادل(1%) من القوة العسكرية الأميركية ويحصلون يوميا علي ثلث موازنة الجيش الأميركي في العراق والبالغة 30 مليار دولار سنوياً، حيث يشغلون(10%) من القوة العسكرية الأميركية وتعد شركة (كي بي أر) الأكثر أهمية من بين شركات اللوجستيك في العراق حيث تشغل نحو 50 ألف مرتزق بعضهم للقتال لكن الأغلبية تعمل في الخدمات اللوجستية من طباخين وسواقيين وميكانيكيين والتموين ولدىها عقد مع “البنتاجون” يصل إلى(11) مليار دولار( ).
وقد تطورت هذه الشركات فنشأت شركات عسكرية (قطاع خاص) في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وغيرهم من الدول، تقدم خدماتها لمن يطلبها نظير المال، مثل قلب نظام حكم ما (تكرر هذا السيناريو كثيرًا في أفريقيا) أو حماية رئيس دولة أو القيام بحرب صغيرة من الباطن ضد دولة مجاورة، وربما حماية آبار بترولية أو مناجم ماس.
وقد اشتهرت مجموعات فردية كثيرة من هؤلاء المرتزقة كما اشتهرت شركات لهم تتولى القيام بهذه الأعمال القذرة مقابل المال مثل جماعة (مايك المجنون) التي يقودها عسكري يدعى (هوار) لعب دورًا في قلب عدة حكومات أفريقية منها انقلاب جزر سيشيل عام 1981م وجماعة (السترات السوداء) بقيادة الفرنسي بوب دينار الذي شارك عدة مرات في قلب نظام الحكم في جمهورية جزر القمر الإسلامية، ومجموعة (تيم سبايسر) التي لعبت دورًا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في بابوا (غينيا الجديدة) وغيرها الكثير)( ).
ظهرت في الفترة التي يطلق عليها البعض العولمة ويسميها البعض الآخر الأمركة ويقول عنها فريق النظام الدولي الجديد، أيا كانت التسمية فنحن في عصر ما بعد الحرب الباردة( )، شركات الحماية الأمنية أو شركات الأمن الخاصة سواء علي الصعيد الوطني أو الدولي بشقيه الإقليمي والعالمي، أي الشركات العسكرية الأمنية الخاصة، أو شركات الحماية الأمنية، أو شركات الأمن الخاصة أو الموظفون الأمنيين المتقاعدون أو المقاولون، أيا كانت تسميتهم فهي تخوض الحروب نيابة عن دول (الحروب بالوكالة) تحت زعم أن القطاع الخاص إذا كان شريكا في الأرباح فلا بد أن يكون أيضا شريكا في المخاطر، وأصبحت هذه الشركات من سمات وآليات العولمة وفرض الهيمنة ليس علي الدول فقط ولكن علي المجتمع الدولي والنظام العالمي وسوف نقوم بدراسة هذه الظاهرة من حيث النشأة والتطور والمهام والأهداف ونلقي الضوء علي ومهامها وأماكن عملها وأساليبها ومدي شرعيتها من حيث الوجود ومدي شرعية مهامها وأهدافها أي هل يمكن خصخصة العمل العسكري الحروب طبقا للقانون الدولي( )؟
يعد ظهور هذه الشركات بمثابة انقلابا في الشئون العسكرية فهذه الظاهرة سوف تحدث تغييرا هائلا في الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الحروب مستقبلا ورغم وجود سوابق تاريخية إلا أن هذه الظاهرة لم نشهدها منذ حوالي (250) عاما، فلأول مرة في تاريخ الدولة القومية تتنازل الحكومات طواعية عن أحد أهم حقوقها وهو احتكار استخدام القوة بشكل شرعي وإعطائه لهذه الشركات وظاهرة البنادق المؤجرة أو خصخصة الحرب بدأت في التنامي بعد انتهاء الحرب الباردة وهي عبارة عن استبدال الجنود في أي مكان في العالم بمدنيين يملكون بنادق مؤجرة ولا يخضعون لأي من الإجراءات العقابية وفق المعايير العسكرية المعروفة والمتفق عليها على مستوى القانون الدولي( ).
وقد شهد عقد التسعينات نموا متزايدا لهذه الشركات وعرفت باسم (Private Security Firms) وعملت الحكومة الأمريكية علي إتاحة المجال أمام هذه الشركات لأنها من جهة تمنح الحكومة الأمريكية فرصة شن حروب فيما وراء البحار بدون الحاجة للحصول علي موافقة من الكونجرس الأمريكي، وبدون علم وسائل الإعلام ويستخدم البنتاجون حاليا حوالي(700.000) عنصر من هذه الشركات وتدر صناعة الخصخصة العسكرية ربحا سنويا يقدر(100) بليون دولار من عمليات عسكرية أمريكية في حوالي خمسين دولة، وهذه الشركات الخاصة تحكمت في شن الحروب إلى الدرجة التي يصعب على الجيش الأمريكي أن يشن حربا بدون الاستعانة بمجهودات هذه الشركات، ورغم حالة السرية التي تفرض علي تعاملات البنتاجون مع هذه الشركات إلا أن بعض التقارير الصحفية تشير إلي أن حوالي ثلث الميزانية التي خصصت للعمليات العسكرية في العراق والمتضمنة أيضا عمليات وسط آسيا وأفغانستان (87 بليون دولار) سيتم إنفاقها علي عقود مع الشركات الخاصة( )
أن ظاهرة استخدام مقاتلين في الحروب مقابل أجر مادي دون أن يكونوا من جنود تلك الدول أي يتمتعون بجنسية الدولة التي يحاربون معها ومن أجلها، أمر معروف في التاريخ الإنساني على مر الدهور وكر العصور، فالرومان كانوا من أوائل الإمبراطوريات الاستعمارية التي استخدمتهم فقد استغلت البرابرة من الجرمان والسلاف والهون في حروبها.
وفي القرون الوسطي زادت هذه الظاهرة انتشارا وتحديداً في حرب المائة عام التي قادتها الشركات العسكرية وتعد من أشرس المعارك الحربية التي قاتدها هذه الشركات، وحاول ملك فرنسا (جان الثاني لوبون) القضاء علي هذه الشركات لتنامي دورها وقوتها ولكنها اتحدت فيما بينها وسحقت القوات الملكية في معركة بريني في العام 1362م.
ويري البعض أن بداية تلك الظاهرة يعود لأيام إمبراطور اليونان كوزينوفون الذي جند عشرة ألاف يوناني للمحاربة في بلاد فارس مقابل مال( ) بينما يري البعض الأخر أن تاريخهم الحقيقي يبدأ قبل الثورة الفرنسية 1789م، ولكنها ظهرت بوضوح في الثلث الأخير من القرن الماضي خاصة في الدول الإفريقية التي تركها الاستعمار الفرنسي والبريطاني.
وبدأ التعاون بين شركات العسكرية والجيوش النظامية منذ حرب فيتنام وخصوصاً من قبل (السي آي إيه) ضمن برنامج سري عرف باسم (العمليات السوداء) فكان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع وشخصيات فيتنامية لا تريد الحكومة الأمريكية التورط فيها مباشرة( ).
ونظرا لسلوك الجنود المرتزقة وممارساتهم غير المقبولة وغير المسئولة مما جعلهم عنصرا مرفوضا من المجتمعات بصورة عامة، فقد وجدت في كثير من المجتمعات واشتهرت المرتزقة بأدوار منافية لقيم المجتمعات الإنسانية مقابل أجر دون أن تكون لهم قضية يقاتلون أو يقتلون من أجلها، وغالبا ما يكون المرتزق من العسكريين المتقاعدين خاصة الذين سبق وعملوا رسميا كأفراد حماية لمسئولين في دولهم أو حماية الأثرياء والمصارف وغيرها والمرتزق عادة ما يكون محترفا حياة الجندية التي يكتسب منها قدرة قتالية وكفاءة عالية لا تتوفر لمن لا يعيش حياة الجندية بصورة دائمة ويستخدم المرتزقة من قبل أنظمة أو دول أو جيوش أو شخصيات لتنفيذ سياساتها وتحقيق غاياتها بوسائل يحددونها( ).
وقد انحسر دور هذه الطبقة المحاربة نتيجة تنامي دور الدولة القومية وتنامي المشاعر الوطنية التي ربطت المواطنةوالجندية بمدى انتماء الفرد أو الجندي بدولته من خلال الالتحاق بالجيش الوطني كتعبير عن انتمائه والتزامه بقضايا دولته، لكن أخذ هذه الدور يتنامى مرة أخرى في عصر العولمة مع انحسار التشريعات الوطنية التي تحظر على الفرد أو المواطن الانضواء في مؤسسات أو شركات تمتهن العمل العسكري لغايات الربح المادي بل زاد الطلب على هذا النوع من المحاربين من قبل مؤسسات ومنظمات منها بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة) ودول نظرا لاعتبارات مختلفة أبرزها الحرفية والكفاءة التي يتمتعون بها وسرعة تعبئتهم لأداء المهام التي تطلب منهم دون الدخول بإجراءات بيروقراطية وإجرائية التي تأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم تجنيد قوة محاربة.
كان لتداعيات عصر العولمة أعظم الأثر فى التغيير الذي طال العلاقات الدولية وتنامي دور الشركات متعددة الجنسية بحيث أصبحت لهذه المؤسسات الضخمة والمندمجة دوراً كبيراً في رسم بعض السياسات الخاصة لبعض الأطراف على حساب القواعد السائدة في الدولة القومية فالأخيرة لم تعد تتحكم وسائل الإنتاج في هذا العصر حيث أصبح للقطاع الخاص دورا رياديا في توجيه الدول حتى لو اقتضى الأمر تغييب الدولة ومؤسساتها مقابل مصالح فئات مختلفة ومن هذه الشركات أخذت دوراً قيادياً في توجيه مصالح الدول القومية المتعلقة بتوفير الأمن والحماية وهي تعبير للمزاوجة بين القطاعين العام والخاص حيث يوكل الأول للثانية بعض المهام التي تدخل في صميم عمله ليقوم بها( ).
ومع زيادة الصراعات الدولية علي الصعيد الدولي والإقليمي والوطني فقد انتشرت ظاهرة الشركات العسكرية الخاصة للقيام بوظائف جديدة كانت من قبل تدخل ضمن مهام الجيوش الوطنية كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح والقتال أيضا كما جرى في حروب أهلية في بعض الدول الأفريقية وفي يوغسلافيا السابقة وأفغانستان وفي العراق حاليا) ).
ومن ذلك في 7/3/2004 جرى في زيمبابوي القبض على طائرة كانت تحمل سبعين من المرتزقة متجهين إلى غينيا الاستوائية لتدبير انقلاب مسلح، لأن تلك الدولة الصغيرة النامية هي ثالث أكبر منتج للبترول في جنوب الصحراء بعد نيجيريا وأنجولا. وفي 25/8/4002 اعتقلت سلطات جنوب أفريقيا مارك نجل مارغريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لعلاقته بتلك المحاولة الانقلابية تمهيداً لمحاكمته في جنوب إفريقيا فعلت ذلك تطبيقا لقانون صدر قبل سنوات قانوناً بتحريم وتجريم أعمال الارتزاق من هذا النوع.
وفي معظم الحالات يكون المرتزقة عسكريون سابقون يتم استئجارهم لتنفيذ مهام سرية لا تريد دولهم وشركاتهم تحمل مسؤوليتها علنا ومن أشهر الوقائع محاولة التخلص من باتريس لومومبا زعيم الكونغو وحادث الطائرة الذي مات فيه داج همرشولد أشهر وأفعل أمين عام للأمم المتحدة. لكن ما كان يجري على استحياء في سنوات الستينات اتسعت أبعاده تماماً بعد نهاية الحرب الباردة وانكشاف العالم الثالث أمام أكبر موجة لنهب موارده بالسياسة أحيانا وبالقوة الصريحة أحيانا وبالمرتزقة بين وقت وآخر أو بمزيج من الثلاثة في بعض الحالات( ).
وتعمل هذه الشركات حاليا بحراسة رؤساء الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث والتي عادة ما تكون مدبرة من الخارج، أو حماية حكوماتها وحماية آبار النفط ومناجم الماس في أفريقيا، وحتى القيام بانقلابات علي أنظمة الحكم التي ترفض الهيمنة كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وفي دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرها من الدول.
يضاف إلى ما سبق وظائف جديدة خاصة بعد تنامي عمل الشركات الأمنية الخاصة على نطاق واسع في عصر العولمة لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في البلدان التي يعملون فيها إضافة لبعض الوظائف التي تنجزها أجهزتها الأمنية الخاصة بها منها تقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت وحماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء وفي بعض الحالات المشاركة في القتال وولاء هذه الشركات للمال وللشخص الذي يدفع أكثر مما دفعها إلى بالتورط بأعمال خطف مقابل الحصول فدية مالية.
وفي عصر العولمة تطورت المهام الموكلة لهذه الشركات بشكل لا سابق له في تاريخهم أو تاريخ الجيوش النظامية عامة والجيش الأمريكي والبريطاني خاصة، حيث توكل إليهم مهام حراسة مشاريع ما يسمى إعادة و أعمار العراق، وحماية الشخصيات المهمة كالحاكم المدني بول بريمر ومسئولين أمريكيين آخرين وحماية قوافل الإمدادات التي تمر في مناطق تقع تحت سيطرة المقاومة العراقية، وحماية العديد من المؤسسات الحكومية العراقية الحساسة ومقر الحكومة وقوات الاحتلال التي تعرف بالمنطقة الخضراء.
وتحاول الولايات المتحدة أن تصور للعالم أن أفراد هذه الشركات مقاولون أو متعاقدون تقتصر مهامهم على أعمال الحراسة وتأمين حماية المنشآت، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما فالواقع أن هؤلاء يمارسون مهام قتالية ضد المقاومة العراقية إضافة إلى ارتكابهم جرائم ضد المدنيين العراقيين، وحاليا يوجد آلاف الشركات التي توفر المرتزقة في العالم ويوجد في العراق حاليا أكثر من خمسين شركة وأغلبها أمريكية إضافة إلى شركات بريطانية وإسرائيلية و جنوب أفريقية أيضا، ومن هذه الشركات من تمتلك أسطول طائرات هيلكوبتر( )وتعقد هذه الشركات اتفاقيات مع بعض العشائر المحلية بالعراق.
وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 20 ألف مرتزق في العراق عام 2004 أصبحوا(100) ألف عام 2006م كما أن وجودهم الآن أصبح واضحاً وهم يتجولون في عربات مدرعة وكثير منهم مدججون بأسلحة للقتال بالغة التقدم وقد شكلت بعض الشركات العسكرية قوات للرد السريع ووحدات مخابرات خاصة بها تصدر يومياً تقاريرها الاستخباراتية التي تعتمد فيها على خريطة تواجدها في المناطق الساخنة وهذه في حقيقتها مهام تناط بالجيوش النظامية وليس بالشركات العسكرية وعناصرها مما يزيل الحدود بين ما هو مدني وما هو حربي في عمل هذه الشركات وهناك محاولات أميركية لتنظيم أكبر جيش خاص في العالم يضم هؤلاء وفرق إنقاذ خاصة ووحدات استخباراتية( ).
وعمل هذه الشركات مع قوات الاحتلال في العراق مستور بالتعتيم الإعلامي من حيث المهام والعدد الحقيقي لخسائرها في العراق وأفراد هذه الشركات لا يرتدون الزى العسكري مما يجعلهم خارج الإحصائيات الرسمية التي يتولى البنتاغون الإعلان عنها وتحتل الشركات العسكرية الخاصة المرتبة الثالثة في القوات التي تدعم الجهود العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق ويبلغ الأجر اليومي الذي يتلقاه الفرد الواحد(1500) دولار يومياً.
كما ذكرت صحيفة الوطن السعودية أن ثلاثة شركات عسكرية خاصة تنفذ مهمات التدخل المسلح قد أغلقت أبوابها في بغداد ورحلت نهائيا عن العراق علي إثر تكبدها خسائر مادية وبشرية فادحة بفعل هجمات المقاومة العراقية ونقلت الصحيفة عن مصدر عراقي موثوق قوله أن هذه الشركات هي (كومبانيا الرومانية و اكزكيوتيف أوت كومس جنوب الإفريقية وساند لين البريطانية) ليرتفع بذلك عدد الشركات العسكرية التي تغلق أبوابها بالعراق إلى خمس شركات منذ نوفمبر عام 2003م ويرجع سبب مغادرة هذه الشركات لتدهور الوضع الأمنى وقلة العوائد والأرباح مقارنة بالمخاطر العالية وتكاليف التامين الباهظة.
وعلى الرغم من ذلك إلا انه حسب تقديرات غربية فان جيوش هذه الشركات بات الآن اكبر جيش اجتبى بالعراق بعد القوات الأمريكية وأصبح يفوق مجموع كافة القوات الأجنبية الأخرى غير الأمريكية بالعراق، وقد كشفت صحيفة “نيويورك تيمز” الأمريكية عن أن الولايات المتحدة تعتمد الآن على الشركات العسكرية لتنفيذ مهام حيوية بالعراق بصورة هائلة تفوق ما فعلته في أي حرب أخرى على مدى التاريخ العسكري الأمريكي كله. وأضافت أن البنتاجون يعتمد الآن على هذه الشركات لتوفير من تطلق عليهم الصحيفة (بجنود الظل) لتنفيذ أعمال حيوية كانت تكلف بها الجيش الأمريكي سابقا، وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء من جميع أنحاء العالم فمنهم جنود كوماندوز عملوا سابقا في القوات البحرية في نورث كارولينا ومنهم عسكريون من نيبال وجنود خدموا نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وقد أتوا بالآلاف إلى العراق وهناك العشرات من شركات الأمن الخاصة التي أقامت معارض لسلعتها في بغداد والأكثر أجرا بين هؤلاء هم الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة المرموقة في العالم.
وتنفذ الشركات العسكرية عمليات قتالية أسوة بالجيوش النظامية على الرغم من إصرار قوات الاحتلال على عدم مسؤوليتها القانونية عن الأعمال الإجرامية التي يقوم بها أفرادها، وإن كان ثمة محاكم يفترض أن يقدموا إليها، فيجب أن تكون في موطنهم الأصلي وليس في العراق أماكن ارتكاب الجرائم، وبدأت الشركات العسكرية الدولية تعرض خدماتها على الحكومات في الدول المحتلة مباشرة للمساعدة في حفظ الأمن الداخلي وقد اتفقت الحكومة البريطانية مع إحدى هذه الشركات لحماية سفارتها في بغداد مقابل(15) مليون جنيه إسترليني.
وقد بدأت الخطوات العملية لخصخصة حرب العراق بدلا من القوات البريطانية والأمريكية تتم من خلال استبدال جنود الاحتلال الأمريكي والبريطاني بما تطلق عليهم الولايات المتحدة موظفي شركات الحماية الأمنية أو المتعاقدين الأمنيين مما يدل علي أن عملية انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية قد بدأت في العراق وبلغت نسبة القوات البريطانية النظامية في العراق إلى قوات المرتزقة هي(1 إلى 6) حيث يبلغ إجمالي عدد أفراد هذه الشركات(41) ألف( ).
المبحث الثاني
أسباب ظهور الشركات العسكرية الدولية الخاصة
يرجع ظهور الشركات في المجتمعات سواء القديمة أو مجتمعات العصور الوسطي والحديثة والمعاصرة إلي عدة أسباب سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية بل ودينيا نبينها.
أولا: الأسباب السياسية( ): تعددت الأسباب السياسية التي يمكن اعتبراها من ضمن أسباب ظهور هذه الشركات العسكرية نجملها فيما يأتي:
1 – وجود مشروع إمبراطوري لبسط الهيمنة والسيطرة من قبل دولة استعمارية كبيرة بغية تمرير مشروعها وفرضه علي المجتمع الدولي أو النظام العالمي وقتئذ، كما فعلت الأمبراطرية الرومانية من قبل وهو ما تحاول فعله حاليا الولايات المتحدة الأمريكية وتتطلب هذه المهمة الكبيرة أعدادا كبيرة من الجنود لا تتوفر لهذه الدولة ولكن يتوافر المال اللازم لشراء واستخدام هذه الشركات.
2 – انحسار عصر الاستعمار العسكري مما جعل الدول الاستعمارية تستعمل حكام عملاء تحميهم بمثل تلك الشركات لحماية هؤلاء الحكام من شعوبهم لأنهم يؤدون لهذه الدول الاستعمارية خدمات أفضل وأرخص من الاستعمار العسكري.
3 – تفشي ظاهرة الظلم في المجتمع الدولي الذي أدي إلي قيام تنظيمات تدافع عن نفسها بدرء الظلم عنها أو يطلق عليه الغرب مصطلح (الإرهاب) مما هدد مصالح الدول الكبرى وظهور ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا والمنازعات علي الصعيد الدولي بل ظهرت حاليا ظاهرة تعدد المعايير في التعامل مع مثل تلك القضايا والمنازعات( ).
4- عودة ظاهرة البلطجة الدولية أو بمعني أصح ظاهرة الدول الاستعمارية التي تريد فرض هيمنتها علي العالم ومن ذلك ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وريثة الإمبراطورية الرومانية والاستعمار البريطاني والفرنسي ويؤيد ذلك ما ردده البعض من أن المبادئ الأربعة عشر التي نادي بها الرئيس الأمريكي ولسون أبان الحرب العالمية الأولي كان الغرض منها تفتيت الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
5 – يعتبر ظهور شركات الحماية الدولية أو الشركات العسكرية خطوة في طريق هدم بناء الدولة الحديثة حيث مر هذا البناء بعدة مراحل حتى أكتمل البنيان فمن الدولة الحارسة إلي الدولة المتدخلة إلي الدولة الحارسة مرة أخري التي تقتصر مهمتها علي حفظ الأمن العام داخل الدولة إلي الدولة ذات الدور المحدود فقد بدأت مرحلة انسحاب الدولة من كافة الأنشطة الاقتصادية ليقتصر دورها علي مهام الأمن والحراسة ثم بدأت مرحلة خصصت الأمن وعرضه في الأسواق مثل بقية السلع المادية لتنتهي بذلك الدولة كنظام سياسي قطعت البشرية ردحا طويلا من الزمن لبنائه، ويكون ذلك عن طريق عولمة كل ما هو داخلي فتنهار الدولة ولا يعد لها أدني دور، فالناحية الاقتصادية يتولاها القطاع الخاص والناحية الاجتماعية تتولاها منظمات المجتمع المدني التي تدار من الخارج لتحقيق أغراض وأهداف تمرير الهيمنة والسيطرة، والناحية العسكرية الأمن يتم خصخصته عن طريق الشركات العسكرية الخاصة التي بدأت تنتشر في كل رجا من أرجاء الأرض( ).
ففي داخل الدولة الواحدة تجد شركات الأمن الخاصة لحماية الشخصيات التي ترغب في الحماية ولحماية الشركات التي بدأت تولي مهمة حفظ الأمن داخلها وخارجها ليلا ونهارا إلي شركات خاصة لتوفير نفقات إدارة الأمن داخل الشركات، إذا لا يبقي للدولة كمؤسسات ونظام أي دور حيث تخضع كافة الأنشطة للقطاع الخاص الذي يدار عن طريق الشركات متعددة الجنسية فما الداعي إذن لبقاء الدولة، خاصة وأن البرلمانات أصبحت تحت رحمة وسيطرة رجال الأعمال الذين أصبحوا نوابا في البرلمان فتم خصخصة السياسة وسنت هذه البرلمانات الخاصة قوانين لمصلحة رجال الأعمال دون النظر إلي المصلحة القومية العليا للدولة ودون وضع الشعوب ومصلحتها في الاعتبار حتى أننا نجد أن هناك عائلات محدودة تتحكم في نشاط معين في الدولة كلها( ).
ثانيا، الأسباب العسكرية:
1 – الرغبة في تنفيذ عمليات خارجة عن القانون من قبل دولة ضد حكومة دولة أخري أي القيام بانقلابات عسكرية لتغير الحكومات التي ترفض الهيمنة والسيطرة دون التورط علانية في مثل هذا العمل كما حدث في جزر القمر وبعض الدول الإفريقية.
2 – للتقليل من قتلي الدول التي اشتركت في حرب حتى لا يقوم الرأي العام الداخلي ضدها لكثرة القتلى من جنودها ولإخفاء هزيمة أو للانسحاب خفية حتى يظهر للعالم وللرأي العام داخلها هزيمتها كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا حاليا في العراق( ).
3 – القيام بعمليات قذرة تخشي الدولة فعلها في العلن لما فيه من مخالفات جسيمة للقانون الدولي والقيم الأخلاقية كما فعلته الولايات المتحدة في فيتنام من عمليات اغتيال قادة وقتل بالجملة.
4 – تفشي ظاهرة الانقلابات العسكرية واعتلاء الحكم حكام عملاء للخارج يصلون إلي الحكم دون رغبة شعوبهم فيضطرون إلي حماية أنفسهم بمثل تلك الشركات، وهؤلاء الحكام تجدهم غالبا في الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية أو صاحبة موقع جغرافي متميز يتحكم في أحدي الممرات الدولية الهامة.
5 – من العوامل التي أدت لظهور هذا النوع من الشركات عمليات تسريح العديد من الجيوش التي تمت نتيجة لنهاية الحرب الباردة ومنها الجيش الأحمر وجيش ألمانيا الشرقية ونهاية نظام الأبارتيد في جنوب إفريقية وتسريح طبقة الضباط البيض وتم تكوين شركة لهم في جنوب أفريقيا وكذلك عملية تقليص الجيش الأمريكي إلي (60%) مما كان عليه في الماضي، مما خلق فائضا هائلا من العمالة العسكرية والخبرة التي كان يجب أن يتم الاستفادة منها بشكل أو بآخر في خدمة مد النفوذ الأمريكي وحمايته فيما وراء البحار فتم أنشاء مثل هذه الشركات لاستغلال الفائض في العمالة العسكرية المستغني عنه ولتنفيذ مشروع الإمبراطورية الأمريكية.
6 – وجود الشركات العسكرية الخاصة التي تنتج الأسلحة كما في الولايات المتحدة الأمريكية المجمع الصناعي العالمي وحسب أيديولوجية هذه الشركات تعتبر الشركات العسكرية الدولية مكملة لغرض إنشاءها لاستكمال منظومة الإنتاج والتوزيع مما يوفر لها منافذ للبيع، وقد ردد البعض أن ما دفع الولايات المتحدة لحربها ضد كل من أفغانستان والعراق هو المجمع الصناعي العسكري حتى ذهب البعض إلي أنهم هم الذين قاموا بحادث الحادي عشر من سبتمبر( ).
7 -إن استراتيجية الاعتماد عسكريا على الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة أي (عسكرة الشركات وخصخصة الحروب) هي استراتيجية اعتمدها البنتاجون ومفادها خصخصة الكثير من المهمات التي كان يضطلع بها الجيش الأميركي ونظرية ‘خصخصة’ المهام العسكرية قامت على فكرة تحمس لها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي تدعو إلى إسناد الكثير من المهمات التي تقوم بها القوات النظامية التي تخوض حرب مثل حرب العراق إلى شركات خاصة بصفة ‘مقاولات’ بين البنتاجون وبين تلك الشركات، بحيث يؤدي ذلك إلى تخفيف عبء الكثير من المهام عن كاهل الجيش وهذه الفكرة فتحت الباب لشركات اميركية عديدة تقوم بمهام التموين والأعمال اللوجستية والأمنية وباتت تلقى قبولا في صناعة الجيوش الحديثة( ).
إذا كانت كافة الأنشطة التي تمارسها الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية خصصت وأصبحت سلعا تخضع لقوانين وآليات السوق فلماذا المحافظة إذن علي الدولة كنظام وبناء؟ حيث لا انتماء إلا إلي الربح ورأس المال الأجنبي الذي تدخل حتى في التشريع عن طريق رجال الأعمال الذين أصبحوا يسنون القوانين والتشريعات لمصلحتهم ولتحقيق أكبر قدر من الربح المالي دون اعتبار لأي قيم أو مبادئ.
ثالثا: الأسباب الاقتصادية:
1 – يستند أنصار هذه الشركات علي ضرورة مشاركة القطاع الخاص في الأخطار كما يشارك الدولة في الأرباح في قطاع الاستثمارات.
2 – انتشار البطالة في كافة دول العالم خاصة وأن مرتب الفرد في هذه الشركات قد يصل في اليوم إلي ما يقارب ألفي دولار.
3 – في الدول الغنية تزداد فيها الرفاهية مما يجعل شباب هذه الدول لا يقبلون علي حياة الجندية الخشنة التي فيها خطر الموت محتملا خاصة وأن معظم تلك الدول لا يوجد فيها تجنيد إجباري مما تعد معه الجندية وظيفة لاكتساب الرزق أي مثله مثل أي عمل مدني.
رابعا: الأسباب الدينية:
يري البعض منهم الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في حديثة لقناة الجزيرة في ابريل2007م(إن الجيش الأميركي يستخدم فرسان مالطا كجيش بديل في العراق من اجل استمرار وجودها في العراق وتقليل نسبة الخسائر بين صفوفها وان احد فرسان مالطا كوّن شركة لتجنيد الناس لتقديمهم إلى الجيش الأميركي لاستخدامهم في العراق ودارفور تحت شعار الصليب) أوضح هيكل( )(أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو “دولة فرسان مالطا) ( الاعتبارية آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم) وقال هيكل: (لأول مرة أسمع خطابا سياسيا في الغرب واسعا يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية)، مشيرا إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه الحديث – السابق الإشارة إليه – عن شركة “بلاك ووتر” أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة “الدينية” التي تجمعهما أن الغرض من إنشاء هذه الشركات غرض ديني أو بالأصح غرض صليبي هدفه إحياء الحروب الصليبية التي حدثت في الماضي، وقد استشهدوا علي ذلك من العلاقة الحميمة بين هذه الشركات ومنظمة فرسان مالطا أو فرسان المعبد أو فرسان القديس يوحنا، التي توقف وراء بعض هذه الشركات، وأيضا العلاقة والأساس الذي قامت عليه كبري هذه الشركات وهي شركة بلاووتر في الولايات المتحدة التي يقف وراء إنشاءها وتمويلها التحالف المسيحي الصهيوني أو المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية( ).
المبحث الثالث
مهام وأساليب وطرق عمل الشركات العسكرية الدولية
أولا: مهام الشركات: اختلفت وتعددت المهام والوظائف التي تؤديها وتقوم بها الشركات العسكرية الخاصة وارتبطت ارتباطا وثيقا بأسباب نشأتها وسبب ظهورها، فقد كانت مهامها في بداية نشأتها تقتصر علي حراسة مداخل ومنافذ الشركات الخاصة الاستثمارية داخل الدولة حيث تقوم كل شركة استثمارية بعمل إدارة للأمن بالشركة تتكون من أفراد يقومون بحراسة الشركة ليلا ونهارا، ولما كثرت الشركات الاستثمارية الخاصة وبدأت حلقات التنافس والمضاربة تتزايد بينها وبين أصحابها عمد هؤلاء إلي حماية أنفسهم من منافسيهم باتخاذ ما يطلق عليه (بودي جارد) ثم انتشرت هذه الظاهرة بين رجال الأعمال وأصبح من المألوف أن تري أحد رجال الأعمال يتقدمه حرسه الخاص، ثم تطورت الظاهرة وأخذت بعدا أخر فقد انتقلت من عالم رجال المال والأعمال إلي مجال الفن حيث كانت الملاهي الليلية قديما تتخذ فتوات لحمايتها، وكذا كل طالب شهرة فقد رأينا بعض الفنانين يتخذون حرسا خاصا بدعوى حمايتهم ممن يحاول الاعتداء عليهم من منافسيهم، ومن رجال الفن إلي رجال الفكر والأدب وغيرهم.
وباتت معظم الشركات على مستوى العالم تولي أهمية قصوى لأمن المعلومات الخاصة بها وعمدت الكثير منها إلى وضع المعايير التي تعمل على رفع كفاءة سياساتها للحفاظ على البيانات من عمليات الاختراق والتسلل غير الشرعي وبرغم الجهود الضخمة في هذا المجال إلا أن المخاطر التي تهدد أمن المعلومات والشبكات قد زادت في الآونة الأخيرة مما دفع معظم الشركات للبحث عن حلول تقنية تحميهم من هذا خطر سرقة المعلومات الخاصة بهم.
وأصبح أمن المعلومات يحظى باهتمام بالغ من قبل الشركات في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين. وكنتيجة لذلك قامت عدة شركات باتخاذ إجراءات شاملة لتعزيز أمن البيانات لديها ورغم ذلك فأن عدد التهديدات القابعة في العالم الافتراضي يتزايد يوما بعد يوم بصورة سريعة وبناء على ذلك تقوم الشركات المحلية بإعادة النظر وتقييم أمنها ثانية لضمان عدم تعرضها لهجمات تخترق بياناتها وأنظمة المعلومات لديها مما قد يؤدي إلى تدميرها( ).
وكانت الحراسات الخاصة تقتصر في السابق علي رجال الحكم من رؤساء و وزراء و محافظين وغيرهم تحت زعم الخوف عليهم من المعارضة وأنصارها ولكن في ظل العولمة وما ترتب عليها من احتكار وظلم وسرقات جعل كل شيء خاضع لآليات السوق وظروفه وملابساته، فأصبح الأمن سلعة تباع وتشتري مثل كافة السلع المادية.
ثم انتقلت تلك الظاهرة إلي الصعيد الدولي عن طريق توريد رجال الأمن فبدلا من توريد العبيد والرقيق في السابق أصبح الآن يتم توريد عبيد ورقيق ولكن لوظيفة محددة هي حماية شخصيات عامة وخاصة منها رؤساء دول وحكومات ووزراء و أنظمة دكتاتورية أو عسكرية أو مساعدة قوات الاحتلال في بعض المناطق المحتلة أو مساعدة قوات مسلحة في القيام ببعض المهام التي كانت في السابق من ضمن مهام القوات المسلحة الوطنية وما لبثت أن تطورت إلى شركات تمارس نشاطاها علناً في معظم دول العالم.
ومع تزايد حدة وعدد الصراعات الدولية أسندت لهذه الشركات مهام جديدة كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح كما جرى في حروب البلقان وأفغانستان وفي العراق حيث كانت مهامهم ترتكز على حراسة رؤساء الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث أو حماية الحكومات نفسها وحماية آبار النفط ومناجم الماس في أفريقيا، وحتى القيام بقلب أنظمة حكم ما، كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وكذلك في دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرها من الدول، يضاف إلى ما سبق مهام أخري خاصة بعد تنامي عمل هذه الشركات بعد الحرب الباردة لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في البلدان التي يعملون فيها إضافة إلى بعض الوظائف التي تنجزها أجهزتها الأمنية الخاصة بها، حيث تقوم هذه الشركات (بتقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت، وكذلك حماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة، وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء، وفي بعض الحالات المشاركة في القتال )( ). وتقوم هذه الشركات إضافة إلي ذلك بالمهام الآتية:
– الأمن الشخصي: Personnel Security للأشخاص والموظفين خصوصاً الوكالات الأمريكية والأجنبية والأمم المتحدة العاملين في مجال الدبلوماسية (كرول وكنترول ريسك
– خدمات المرافقة: Escort Services
– توفير خدمات الاتصال والمواصلات.
-إدارة الأزمات وحالات الاختطاف Management.
– استشارات الأمنية وتقدير المخاطر: Risk Advisory Consulting and assessment.
– تأمين المواقع والمنشآت والبعثات الدبلوماسية والشركات المدنية المنخرطة في إعادة الأعمار Site Security
– توفير الحماية الالكترونية ولقواعد البيانات.
– تطوير أنظمة الحماية والرقابة.
– الدعم اللوجستي والإسناد.
– مرافقة قوافل الإمدادات والأغذية سواء لجيوش الائتلاف أو للقطاع الخاص.
– تولي متابعة وتطبيق تنفيذ العقود التي تدخل في باب إعادة الأعمارفي العراق حيث تكلف هذه الشركات بالقيام بأعمال إدارية ووكالات لتنفيذ مهام المتعاقد الأساسي الذي يخشى تنفيذ هذه الأعمال بصورة مباشرة ( ).
ثانيا: أساليب عمل الشركات العسكرية: الشركات العسكرية لها أساليبها الخاصة وقواعدها الداخلية التي تحكم عملها لتحقيق الهدف الذي تعمل لتحقيقه وهو تقديم أفضل الخدمات العسكرية و الحماية الأمنية فهي شركات تجارية غايتها الأساسية الربح كغيرها من الشركات التجارية تستخدم أساليب وطرق تسويقية للترويج لسلعتها، وتقاس قدرة الشركة وكفاءاتها بحجم وعدد القتلى من أفرادها فكلما زاد عدد القتلى بين صفوفها زاد الطلب على خدمات هذه الشركة باعتبار أن ذلك كفيل ببناء الثقة بهذه الشركة وتقوم الشركات ضمن خطتها التسويقية بضرب هالة من الرهبة على نشاطها وعلى أفرادها بحيث تتخذ هذه الشركات أوصافاً مختلفة مليئة بالعنف والقوة من منها عمليات الصقر والعين الحمراء والعسكريون المحترفون وغيرها من الأوصاف التي تدخل في النفس رهبة وخوف، بالإضافة لذلك فهي تتخذ أساليب أخرى سواء لنجاح عملها ولكسب مزيد من العملاء تتمثل في الآتي:
1 – تدريب موظفيها على الطرق المثلي لتجنب الخطر وتحديداً على المهام التي تدر أرباحاً عالية مثل التدريب على التعامل مع حالات الاختطاف وهي من أبرز مهام هذه الشركات وتوليها اهتماماً خاصاً نظراً للأموال الطائلة المحققة من وراءها.
2 – الاختطاف مقابل المال مما أجبر شركات الحماية تعيين أفراد ذو مهارات خاصة استقطبت مستشارين ومحللين سياسيين ومخبرين واستعانت بعدد من المخضرمين في هذا المجال.
3 – استخدام المواقع الإلكترونية للترويج لخدماتها ونشر ثقافة القتل والعنف وقد وضعت إحدى هذه الشركات وهي شركة(Aegis) فليماً على موقعها تعرض فيه قيام أفرادها بإطلاق النار باتجاه المدنيين العراقيين القريبين من عرباتهم ذات الدفع الرباعي وتقوم هذه الشركات في سبيل تقديمها لخدماتها باستخدام الأساليب الآتية:
1 – دفع مبالغ ضخمة مقابل الحصول على المعلومات الأمنية والإستخباراتية.
2 – عقد دورات تدريب وإرشاد لأفرادها حول طرق التعامل مع الخطر.
3 – تزويد العملاء بإرشادات تجعلهم هدفا يصعب الحصول عليه.
4 – استخدام السلاح دون اعتبار لإجراءاته وأوقات استخدامه.
5 – استخدام مختلف التقنيات سواء على صعيد الاتصال أو على صعيد الأسلحة حيث تستخدم جزء من هذه الشركات تقنيات عالية في مجال الاتصالات.
6 – تلجأ بعض هذه الشركات إلى العمل بعيداً عن القواعد والقوانين السارية في البلاد بحيث تمنح بعض هذه الشركات لنفسها صلاحيات احتجاز المواطنين ونصب الحواجز علي الطرق دون ترخيص.
7 – وتقوم هذه الشركات باتخاذ العديد من الأساليب التي تحقق نجاحاً لمهماتها حتى لو انتهكت حياة وخصوصية الإنسان( ).
وتتعدد الأساليب والطرق التي تعمل بها هذه الشركات وأغلب هذه الأعمال أو الأساليب المتبعة لا تحكمها قواعد قانونية أو إجرائية محددة، فالحصانة القضائية ضد الملاحقة القانونية التي يتمتع بها أفراد هذه الشركات جعلتهم بحل من الالتزام بأي قوانين، وفي العراق حيث تقوم هذه الشركات بعمليات قتل وتدمير وتدبير انفجارات عن طريق تلغيم السيارات المملوكة للأهالي عند تفتيشها وتنفجر هذه السيارات دون معرفة أصحابها ويذهبون ضحية هذه الأعمال القذرة، وقد قامت هذه الشركات بإشعال نار الفتنة الطائفية في العراق عن طريق تدبير انفجارات في مناطق السنة والشيعة وتفجير المساجد والمنازل مما أدي إلي سقوط ألاف الضحايا.
وقد استعانت الولايات المتحدة بهذه الشركات لكي تخفف من عدد قتلاها حتى لا تثير الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يطالب بالانسحاب الفوري من العراق بعد تزايد أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين وقد قامت هذه الشركات بأعمال قذرة في العراق تعد انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني وقانون الحرب وكل القيم والأعراف الدولية المستقرة والمطبقة في الحروب فهذه الشركات لا تقيم وزنا للقانون ولا للقيم والمبادئ والمثل الإنسانية العليا. وفي محاولة للحد من تزايد ضحايا هذه الشركات فقد ألزمتها وزارة الداخلية العراقية بعدد من الإجراءات هي:
1 – تم التنبيه علي جميع الشركات العسكرية العراقية والأجنبية لغرض تقديم جميع أولياتها ومعلوماتها وبشكل تفصيلي لوزارة الداخلية.
2 – إلزام الشركات العسكرية بوضع علامة خاصة بالشركة علي صدر أفرادها وعلى السيارات التي تستخدمها.
3 – إلزام الشركات العسكرية بمراجعة دوائر الضريبة وجلب براءة ذمة ومراجعة وزارة العمل والشئون الاجتماعية لضمان حقوق موظفيها من العراقيين.
4 – قامت وزارة الداخلية العراقية بمخاطبة مختلف البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية وغيرها من المؤسسات والشركات بعدم التعاقد مع أي شركة عراقية أو أجنبية غير مجازة من وزارة الداخلية.
أن جزءا كبيرا من هذه التعليمات تم تطبيقها على الشركات العراقية فقط دون الشركات الأجنبية التي تعتبر نفسها فوق القانون ولا تتقيد بهذه التعليمات ولا بأي قانون ويقدر عدد العاملين العراقيين في هذه الشركات بحوالي المائة ألف شخص وقد قامت ولا زالت بأعمال حربية ضد عناصر المقاومة لصالح الجيش الأمريكي. لا تقتصر مخاطر هذه الشركات على قيامها بالأعمال الحربية المباشرة أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان دون أي ملاحقة قضائية وإنشاء مليشيات مسلحة وعصابات تعيش على الاغتيال والخطف بل أنها تهدد البنية الأمنية لعراق المستقبل حيث يدخل العراق عبر بوابة أو غطاء الشركات الأمنية المئات من أجهزة المخابرات الأجنبية خاصة الإسرائيلية.
الفصل الثاني
الجوانب القانونية الشركات العسكرية الدولية الخاصة
إن من مستلزمات الوطنية الدفاع حتى الموت عن الوطن، ومن توابع الجنسية القتال دفاعا عن الوطن، فالوضع الطبيعي أن يدافع أبناء الوطن عنه ويفدونه بأرواحهم وأموالهم وينالون شرف الجندية في جيشه وفواته المسلحة للدفاع والذود عن أمنه وأمانه وعن سيادته وأرضه واستقلاله وحريته.
إلا أن هذا لأمر وطبقا لقاعدة ليس صحيح علي إطلاقه(فلكل قاعدة استثناء) هناك حالات يوجد بين المدافعيين عن الوطن والأرض والعرض جنود غير أبنائه، ففي حالات أقرها الشرع الإسلامي حيث جعل الدفاع عن أرض الإسلام فرض كفاية وواجب علي كل المسلمين حتى قال الفقهاء أنه في حالة احتلال جزء من أرض الإسلام يجب علي كل مسلم ومسلمة أن تخرج للجهاد والدفاع لتحرير هذا الجزء وتخرج المرأة بدون أذن وليها أو زوجها، فالدفاع هنا عبادة وطاعة لله أي لغرض إسلامي وليس غرضه وهدفه الحصول علي الكسب المادي فالمشاركة هنا تكون لصد عدوان وليس للاعتداء علي أحد، وقد حدث ذلك منذ فجر الإسلام حتى الآن في أفغانستان والبوسنة والهرسك وفلسطين والشيشان والعراق( ).
وقد أقر القانون الدولي للدول بصفتها الرسمية حق مساعدة الدولة التي تتعرض للعدوان ومساعدة حركات التحرر الوطني، فيحق لها أن السماح لمواطنيها بالقتال جنبا إلي جنب مع القوات العسكرية والجيوش النظامية للدولة المتعرضة للعدوان ومع أفراد حركات التحرر الوطني، ولها أيضا أن تمدها بالسلاح وذلك للدول فرادي وجماعات ولا تثريب علي الدول أن هي فعلت أيهما سواء في حالة الدفاع الشرعي طبقا للمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة وحالة الأمن الجماعي الدولي( ).
ولكن منذ فترة بدأت ظاهرة (المرتزقة) تظهر علي الصعيد الدولي والإقليمي ولكن بشكل جديد في صورة (شركات عسكرية وأمنية خاصة) حيث جمعت العاطلين والعسكريين السابقين للقيام بأعمال عسكرية وأمنية واستخباراتية مقابل مبالغ مالية كبيرة، فيقوم أفراد تلك الشركات أما بالاشتراك الفعلي في القتال أو حراسة الشخصيات السياسية من رؤساء دول أو حكومات أو القيام بانقلابات عسكرية علي حكومات شرعية كما حدث في جزر القمر، وتمتلك تلك الشركات كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والأساطيل والطائرات، كما تقوم تلك الشركات ببعض الأعمال الأمنية منها حراسة الشركات الاقتصادية والتجارية.
مما يدل علي أن نعمة الأمن والأمان أصبحت سلعة تباع وتشتري كأي سلعة مادية أخري مثل السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنزلية المختلفة، وهذه الشركات العسكرية الدولية الخاصة سمة من سمات النظام الدولي الجديد(العولمة) التي جعلت من السوق آلها وخضعت نعمة الأمن والأمان لقانون العرض والطلب أي لمن يدفع أكثر دون الوضع في الاعتبار أي قيم أخلاقية أو مبادئ أو مثل إنسانية أو دينية المهم الكسب المادي.
ونظرا لخطورة ذلك علي السلم والأمن الدوليين ولأهمية الدور الخطير لهذه الشركات وتأثيراته علي السلم والأمن الدوليين، عرضنا كل ذلك علي مبادئ وقواعد وأحكام القانون الدولي المعاصر لنري مدي شرعية تلك الشركات من حيث النشأة والدور والهدف وتكون هذا الفصل من ثلاثة مباحث الأول لرأي الفقه الدولي في الشركات العسكرية الدولية الخاصة والثاني الجهود الوطنية والدولية بشأن الشركات العسكرية الدولية الخاصة والثالث: التكييف القانوني لهذه الشركات العسكرية الدولية.
المبحث الأول
رأي الفقه الدولي في الشركات العسكرية الدولية الخاصة
اختلفت مواقف الدول وأرباب السياسة وأصحاب القرار وفقهاء القانون الدولي من الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة ما بين مؤيد لها ومتحفظ ومعارض لها فأنقسم الرأي حولها إلي قسمين ولكل أسبابه ومبرراته.
الرأي الأول: مؤيد لوجود الشركات العسكرية والأمنية الخاصة( ):
يقف علي رأس هؤلاء أصحاب تلك الشركات ومؤسسيها والعاملين فيها ومن وراءها وهذا منطقي وطبيعي، لأنهم يدافعون عن تجارتهم ومصدر رزقهم وعملهم الذي يدر عليهم دخلا أكثر من أي عمل أخر، ويستند هؤلاء في ذلك علي ما يلي:
1 – أنه لا فرق بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والشركات العاملة في أي مجال اقتصادي أخر فأنشطتها مشروعة بدليل وجود قوانين تنظم نشأتها وعملها في دول المنشأ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد عدة قوانين فيدرالية وأخري خاصة بالولايات تطبق علي أية شركة تعمل في مجال الأمن فلا بد أن تحصل علي تصريح حكومي قبل الدخول في أي ارتباط يرتب تقديم سلع أو خدمات عسكرية أو أمنية لأي عميل أجنبي سواء هذا العميل حكومة أو شركة.
2 – يصر أصحاب هذه الشركات علي وجود فروق بين ما تقدمه الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة من خدمات وأعمال وبين أنشطة المرتزقة، فهذه الشركات قواتها تحارب إلي جانب الحكومات الشرعية ذات السيادة ومن ثم فإن لها معايير أخلاقية تحكم وتتحكم في عملها واشتراكها في النزاعات، خلافا للمرتزقة الذين يهدفون إلي الكسب المادي من تدخلهم، كما أن وجود هذه الشركات يعزز التحول الديمقراطي في الدول التي تتدخل فيها، بدليل أن شركة(EO ( أصرت علي مطالبة حكومة ستراسر في سيراليون بتحول ديمقراطي حقيقي وأصرت علي ضرورة وضع جدول زمني لهذا التحول وهددت بالانسحاب عندما حاول النظام عدم الالتزام بتعهداته في هذا المجال.
3 – أن استعمال هذه الشركات أفضل من الناحية العملياتية عن القوات العسكرية النظامية في الآتي:
أ – سرعة نشر الأفراد التابعين لهذه الشركات.
ب – انخفاض نسبة القلق العام حول استخدام القوة.
ج – العمل كقوة مقابلة للقوات العسكرية المحلية في الدول ذات المؤسسات السياسية الضعيفة.
4 – يري البعض أن تكلفة هذه الشركات أقل من تكلفة الجيوش النظامية للآتي:
أ – يمكن للشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة توظيف أفراد من شركات غير غربية تدفع لهم رواتب أقل بكثير من التي تدفع للأفراد الغربيين.
ب – يمكن للحكومات تقديم مزايا خفية لهذه الشركات مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية والتسهيلات المعيشية علما بأن هذه الأمور لا ينص عليها عقد العمل مع هذه الشركات.
ج – يمكن لهذه الشركات زيادة حجم القدرات التابعة لها دون الحاجة لدفع تكاليف صيانة طويلة الأجل للقدرات العسكرية أو عمليات شراء كامل الحصص والتي تحدث عادة عندما تخفض الجيوش النظامية من عدد قواتها.
د – ومن خلال تنفيذ عمليات أساسية لا تتعلق بالنزاعات المسلحة تسمح هذه الشركات للقوات المسلحة بالتركيز علي المهمات الجوهرية والمنوطة بها.
5 – واقترح البعض أن يتم شن تشريع ينظم عمل هذه الشركات العسكرية علي أن يراعي الأمور التالية:
– تحديد الأعمال والخدمات التي يسمح لهذه الشركات القيام بها أو تقديمها عن طريق وضع قائمة شاملة بالأعمال المسموح بها والخدمات التي يمكن تقديمها.
– إخضاع الأنشطة التي تضطلع بها هذه الشركات علي الصعيدين المحلي والخارجي للقوانين الجنائية والمسئولية المدنية.
– تنظيم كافة مراحل عملية إبرام العقود بما في ذلك التعاقد من الباطن والتدقيق المالي والقواعد العامة للمشتريات.
– إدراج شروط معيارية خاصة بهذه الشركات مثل تسجيل الشركات ومؤهلات المدير التنفيذي والطاقم الإداري والأمني وتحديد شروط خاصة بالأفراد المتقدمين للعمل بها وحفظ الملفات الخاصة بأنشطة الموظفين.
– تحديد جهة رقابية تكون مسئولة عن مراقبة تلك الشركات كوزارة الدفاع أو الداخلية أو كليهما أو أنشاء هيئة رقابية خاصة.
– يجب أن تخضع هذه الشركات للقوانين الأخرى المطبقة علي الأجهزة الأمنية التابعة للدولة وخاصة في البيانات والاتصالات نوعية الأعمال والخدمات.
الرأي الثاني: المعارض لنشأة ووجود الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة:
يذهب أنصار هذا الرأي إلي عدم مشروعية نشأة ووجود الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة، واعتبروا أفرادها مرتزقة كما أن وجود هذه الشركات يهدد السلم والأمن الدوليين كعادة المرتزقة علي مر الدهور وكر العصور، فظاهرة المرتزقة ليست حديثة فقد ظهرت في العصور القديمة حيث لم تكن الجيوش النظامية قد تكونت ومع قيام الدولة بمفهومها الحديث ومع تكوين الجيوش النظامية أستمر أيضا استخدام المرتزقة.
وقد بدأت ظاهرة المرتزقة تظهر علي السطح أبان ظهور حركات التحرر الوطني والاستقلال فقد استعانت بهم الدول الاستعمارية في إخماد حركات المقاومة الوطنية في المستعمرات التي تناضل من أجل الاستقلال وخاصة أفريقيا واستعانت بهم الدول الاستعمارية في تشجيع الحركات الانفصالية فقد قاتل المرتزقة مع قوات تشومبي الانفصالية في كينشاسا في الفترة من 1962إلي 1964م، كما ظهر نشاط المرتزقة في الحرب الأهلية 1967 إلي 1970م، وفي الحرب الأهلية أنجولا عام 1976م وفي غزو جزر القمر وإسقاط الحكومة، فقد كان المرتزقة وقود الحروب التي يشعلها ويوجدها الاستعمار في أفريقيا( ).
يمثل خطاب وزير الدفاع الأمريكي السابق(رونالد رمسيفلد) في (10/9/2001م) شهادة ميلاد تلك الشركات، والملاحظ أن هذا الخطاب الانقلابي قبيل أحداث(11/9) حيث قال(أننا نواجه اليوم عدوا خطيرا يهدد أمن أمريكا وكل من يرتدي الزى العسكري ربما ينصرف ذهنكم إلي أحد الطغاة في العصور السابقة ولكنه يحيا بين ظهرانينا أنه البيروقراطية التي تغتال وزارة الدفاع.. وأنا لا أنوي مهاجمة البنتاجون بل تحريره من ذاته)، وفي صيف 2002م أزاح رامسفيلد الغموض الذي ورد في الخطاب السابق تحت عنوان التحول الثوري بالعسكرية الأمريكية فقال(لقد قررت تبني نموذج تجاري بالبنتاجون يعلن الحرب علي النمط البيروقراطي لنرتدي ثوب المغامرين الرأسماليين).
وفي النشرة الفصلية للبنتاجون(2006م) أعلن رامسفيلد عن خطته التي أطلق عليها(خريطة طريق من أجل التغيير)أشار إلي أن تطبيقها الفعلي بدأ عام 2001م حيث صنفت قوات وزارة الدفاع إلي قوات عاملة واحتياطية وخدمة ميدانية ومرتزقة وهؤلاء جميعا يشكلون الكثافة والقتالية لوزارة الدفاع) ولم يكن رامسيفلد صاحب الفضل الوحيد علي تلك الشركات بل شاركه وربما تفوق عليه(بول بريمر)الحاكم المدني السابق في العراق بإصداره القرار(17) الذي منح الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حصانة ضد أية إجراءات قضائية( ).
فالمرتزقة يشتركون في نزاعات مسلحة ذات طابع دولي رغبة في الحصول علي مزايا شخصية ويتم الاستعانة بهم في وقت السلم لغزو بلد معين من أجل قلب نظام الحكم فيه أو لشل الحياة الاقتصادية أو لإرهاب السكان المدنيين أو لمنع ممارسة شعب لحقه في تقرير المصير، ويزداد الطلب علي المرتزقة في كل النقاط الساخنة في العالم لأن اللجوء إليها بمثابة(حرب غير علنية) أو أداة للتدخل المقنع تلجأ إليه بعض الدول كقوة ردع أو إرهاب ضد دول لا تتفق معها أي لا تشاطرها ميولها السياسية( ) ويستند أنصار هذا الرأي لما يأتي:
1 – أن الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة يدفعها تحقيق الربح وليس واجبها الوظيفي المنوط بها، حيث يعتبر التزام هذه الشركات محدود جدا مقارنة بالتزام القوات العسكرية النظامية أي الجيوش النظامية.
2 – أفراد هذه الشركات لا يخضعون لنظام التسلسل القيادي المعمول به في الجيوش النظامية، مما يعطي حرية كاملة لهم ينتج عنها العديد من الانتهاكات ليس لقانون وأعراف الحرب فقط بل لكل القيم والمثل والمبادئ الإنسانية.
3 – أن القوات المسلحة للدول لديها نطاق واسع من التدابير التأديبية إضافة إلي القانون العسكري ذاته مما يساعد علي الانضباط واحترام القانون الدولي الإنساني وتحقيق القيادة والسيطرة علي القوات الخاضعة لإمرتهم فضلا عن أدوات القيادة مما يكفل النظام وضمان المسئولية الجنائية المحتملة لتلك القوات ضباطا وجنودا وبالتالي فأن مسئولية القيادة تعد أداة لمنع انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل الجنود والضباط خلال العمليات العسكرية، وهذا النظام غير موجود في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مما يستحيل معه ملاحقة عناصر هذه الشركات.
4 – لا يمكن أن تغطي العقود مع هذه الشركات العسكرية كافة الظروف الطارئة المحتملة بشكل مسبق، مما يؤدي إلي تقليص قدرة هذه الشركات علي التكيف مع ظروف النزاعات كما أنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلي انعدام قدرتها علي التعامل مع الأوضاع غير المتوقعة.
5 – يفتقر الموظفون الذين لا يعملون في مجال النزاعات في هذه الشركات للتدريب الشامل الذي يمكن أن يعزز القدرات العسكرية لهذه الشركات عند الحاجة.
6 – أن الضغوط التي تمارس علي هذه الشركات لتخفيض نفقاتها قد تؤدي إلي اتخاذ قرارات تعرض حياة طاقمها للخطر وتمني مهمتها بالفشل مما يؤدي زيادة التوترات وعدم الاستقرار.
7– وفي حالة فشلها في أداء مهامها لأي سبب من الأسباب فإن هذه الشركات تعيق وتعرقل قدرة الجنود النظاميين علي تنفيذ المهام الموكولة إليهم.
8 – يتم دفع تكاليف لهذه الشركات علي أساس العقد مقابل للمهمات التي يؤديها عدد من جنودها في الميدان فمن الصعوبة إجراء مقارنة بين التكاليف التي تدفع لهذه الشركات وتلك التي تدفع للجيوش النظامية علي أساس تقييم العمل محل العقد ودرجة الإتقان والأداء.
9 – غالبا ما يتلقى موظفو هذه الشركات العسكرية تدريبا توفره الدولة لهم باعتبارهم أفرادا منتسبين للجيوش النظامية الوطنية في بلدانهم إلا أنهم حينما يتركون عملهم في القوات المحلية للعمل في وظائف توفر لهم دخلا أعلي في القطاع الخاص فإن التدريب الذي حصلوا عليه تعتبر عملية مساعدة لتنفيذ عمليات هذه الشركات العسكرية الخاصة وبالتالي يعمل علي تقليص الفائدة التي تعود علي القوات المسلحة الوطنية عند تدريب أفرادها.
10 – عادة يكون التعاقد مع هذه الشركات من الباطن حيث يتم تحرير العقد الواحد بين عدد من الشركات المختلفة مما يؤدي لتقليص الرقابة أو تراجع مستوي فعالية الخدمات التي تقدمها هذه الشركات للجهات المعنية إلي حد بعيد.
11 – الأموال التي تدفع لهذه الشركات تخرج من الدولة وعادة ما تكون بالعملة الصعبة(الدولار) مما يؤثر علي عملية التنمية الاقتصادية، أما الأموال التي يحصل عليها أفراد الجيوش النظامية للدولة فلا تخرج من الدولة ويعاد صرفها داخل الدولة مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية في هذه الدول.
12 – في كافة الدول التي تنشأ فيها هذه الشركات تعاني التشريعات الخاصة بها من الضعف الشديد لا سيما ما يتعلق بالخدمات التي تقدمها تلك الشركات في الخارج وبالتالي تنعدم الرقابة الفعالة علي هذه الشركات، ويمكن للحكومات استخدام هذه الشركات وسيلة للالتفاف علي القيود التي تفرضها آليات الرقابة التي تعتمدها مؤسسات تلك الحكومات.
13 – أن هذه الشركات لا تكشف عن نطاق أنشطتها أو أي تفاصيل للعمليات التي تقوم بها أو نفقاتها، ولا تخضع هذه الشركات ولا موظفوها للقواعد التأديبية الخاصة بالخدمة العسكرية كما أنهم غير مدربين علي تنفيذ عملياتهم وفقا لقوانين النزاعات المسلحة، كما أن هذه الشركات يمكنها حل عملياتها أو إنهائها فلا يمكن ملاحقة موظفيها ومساءلتهم عما ارتكبوه من انتهاكات قانونية. وذلك مع غياب القانون الواجب التطبيق علي هذه الحالات.
14 – أن وجود هذه الشركات علي أي صعيد سواء الدولي أو الإقليمي أو الوطني يمثل خطرا وتهديدا للسلام والأمن الدوليين والاستقرار الداخلي للدول وعلي استقلال وسيادة وحرية الدول، حيث يمكن – وقد حدث – استغلالها لزعزعة الأمن في دولة ما أو إسقاط حكومة شرعية، والواقع الدولي يؤكد ذلك ويبين خطورة هذه الشركات علي الأمن والسلم الدوليين وزعزعة الاستقرار الداخلي للدول فقد لجأت إليها حكومات ديكتاتورية لقمع حركات التحرر والمعارضة.
15 – أن هذه الشركات تنشأ بموجب قانون داخلي لدولة ما وهذا القانون يسري فقط علي إقليم هذه الدولة ولا يمتد خارجه، فالسلطات التشريعية في الدول اختصاصها محصور داخل الدولة فقط، وطبقا لمبدأ السيادة فعمل هذه الشركات في دول غير دول المنشأ يعد انتهاكا لمبدأ السيادة وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ السيادة من القواعد الآمرة في القانون الدولي العام التي لا يجوز ليس مخالفتها فقط بل لا يجوز الاتفاق علي مخالفتها( ).
المبحث الثاني
الجهود الوطنية والدولية بشأن الشركات العسكرية الدولية الخاصة
تعددت الجهود التي بذلت لمحاولة تقنين وتجريم ظاهرة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة فقد سنت بعض الدول تشريعات تنظم عمل هذه الشركات وتحدد مجال عملها كما حظرت بعض الدول تلك الظاهرة وقدمت مبادرة من أحدي الدول لتنظيم عمل هذه الشركات
أما علي الصعيد الدولي فأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوحيدة التي ناقشت هذه الظاهرة وبحثتها، ولكن باقي الجهود ركزت علي أفراد المرتزقة فقط فأبرمت اتفاقيات منها منظمة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات تصب في خانة تجريم المرتزقة وعدها من الجرائم ذات الاختصاص العالمي والتي يمكن محاكمة مرتكبيها في كافة دول العالم بصرف النظر عن مكان ارتكابها.
1 – الجهود الوطنية بشأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
لم يقم سوي عدد قليل من الدول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة علي سن تشريعات لتنظيم عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة علي أراضيها أو خارج حدودها، أو الإنشاء مع إتباع تلك الشركات التعليمات الواردة في هذه القوانين، ونصت هذه القوانين علي حماية أفراد تلك الشركات وتختلف باختلاف الظروف فقد سنت كل من جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية تشريعا ينظم إنشاء وعمل هذه الشركات.
تقدمت الحكومة السويسرية بمبادرة لتعزيز احترام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للقانون الدول الإنساني وجاءت الفكرة من وزارة الخارجية السويسرية بسبب تزايد تواجد هذه الشركات في دول تعاني النزاعات المسلحة، والخطوات التي ينبغي علي الدول اتخاذها من أجل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من قبل تلك الشركات، وقد شاركت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذه المبادرة.
وبناء علي هذه المبادرة انعقدت في يناير2006م ورشة عمل تضم خبرات من الدول صاحبة الخبرات ذات الصلة إضافة إلي عدد صغير من ممثلي الصناعة وغيرهم من الخبراء، وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية، وعقد اجتماع ثان في نوفمبر2006م بهدف طرح القضية علي المؤتمرات و الاجتماعات الدولية أو الإقليمية لا سيما المؤتمر الدولي الثلاثون للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي عقد في نوفمبر2007م، لبحث تزايد واستمرار النزاعات التي توجد فيها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ومن المتوقع حضور عدد من الدول وأصحاب بعض شركات الأسلحة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة وعدد من الخبراء.
وتهدف المبادرة إلي تأكيد مسئوليات الدول والشركات العسكرية والأمنية وموظفيها في ظل القانون الدولي والإقرار بها، ويمكن عن طريق هذه المبادرة إصدار وثيقة توفر الإرشاد للدول في علاقاتها مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وقد تقترح الوثيقة خطوات تستطيع الدول اتخاذها من أجل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان سواء عند استئجار هذه الشركات العسكرية أو عندما تعمل علي أراضيها أو عندما ترغب هذه الشركات القائمة علي أراضي الدولة تقديم خدماتها خارج دول المنشأ، وقد تعتمد أيضا خيار اعتماد معيارا وطنيا من شأنه أن يوفر أساسا قانونيا للتعامل مع هذه الشركات.
ومن الدول التي أصدرت قانونا لتنظيم عمل هذه الشركات الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وقد تبني كل منهما أسلوبا مختلفا في معالجة هذا الموضوع، حيث يتناول قانون تنظيم تصدير الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1968م وتعديلاته مسألة تصدير الخدمات الأمنية بنفس الطريقة التي ينظم بها تصدير البضائع، وينظم هذا القانون وتعديلاته بشكل صارم الجهات التي يتم تصدير هذه الخدمات إليها، إلا أنه لا ينظم الطريقة التي يتم بها استخدام هذه الخدمات، ويشترط هذا القانون علي الشركات الأمريكية التي تقدم خدمات عسكرية للأجانب داخل الولايات المتحدة أو خارجها الحصول علي ترخيص من وزارة الدفاع الأمريكية وذلك بموجب الأنظمة الخاصة بنقل الأسلحة International Transfer of Arms Regulation. والتي تنظم تصدير الأسلحة.
وعلي أية حال لا تتبع عملية الترخيص ذاتها إجراء عاما، حيث لا تتوافر رقابة رسمية بعد إصدار هذه الرخص، ولا ينص علي أحكام قانونية لضمان الشفافية باستثناء العقود التي تتجاوز قيمتها(50)مليون دولار فيجب إبلاغ الكونجرس بها قبل إبرامها، وتقع مسئولية تنفيذ أنظمة منح التراخيص الخاصة بالخدمات التي تصدرها الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة لأغراض تجارية علي عاتق المسئولين في سفاراتها في الدول (وهم الملحقون العسكريين)بالإضافة إلي دائرة الجمارك فيما يتعلق بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى( ).
في عام 1998م أصدرت جنوب أفريقيا قانون تقديم المساعدات العسكرية للجهات الأمنيةForeign Military Assistance Act ينظم تصدير الخدمات الأمنية وقد أتسم هذا القانون بالتالي:
1 – تعتبر الأنشطة التي تنفذها المرتزقة والتي تعرف علي أنها الاشتراك في النزاعات المسلحة لتحقيق مكاسب خاصة محظورة داخل جنوب أفريقيا وخارجها مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون لا يتعرض للمواطنين الأجانب الذين يرتكبون جرائم خارج إقليم هذه الدولة.
2 – يجوز تقديم المساعدة العسكرية والتي تعرف علي أنها الخدمات العسكرية من قبل أفراد مرخصين وحاصلين علي موافقة محددة من الحكومة علي كل عقد من العقود التي يبرمونها فقط.
3 – اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية هي جهة الرقابة المسئولة عن الترخيص ويرأسها وزير من وزارة حكومية لا يرتبط بصورة مباشرة بمؤسسة الدفاع.
وقد حقق قانون تقديم المساعدة العسكرية للجهات الأجنبية بعض النجاح، فقد أغلقت عدد من الشركات العسكرية الخاصة في جنوب أفريقيا كما تم نقل عدد أخر منها خارج جنوب أفريقيا، ولكن اقتصرت العقوبات التي طبقتها المحاكم علي غرامات مالية قليلة، وهذه الغرامات القليلة ليست رادعة للشركات أو الأفراد مما سمح لبعض الشركات العسكرية والأمنية باستغلال الضعف في القانون لإنشاء شركات خاصة وسمح لأفراد بعض أجهزة النظام العنصري السابق في العمل لدي شركات الحماية الأمريكية والبريطانية في العراق.
وبسبب وجود عدد كبير من رعايا جنوب أفريقيا كحراس أمنيين في العراق وفشل محاولة الأنفلاب في جمهورية غينيا الاستوائية عام 2004م، لجأت الحكومة لاقتراح تشريع جديد فصدرت لائحة عام(2005م) بشأن حظر وتنظيم الأنشطة التي تنفذها قوات المرتزقة وحظر وتنظيم نشاطات محددة في منطقة تشهد نزاعا مسلحا، تناولت هذه اللائحة كافة الأنشطة التي يضطلع بها الأفراد والشركات التي تشارك في النزاعات المسلحة الذين من خارج القوات المسلحة.
كما تسعي هذه اللائحة لحظر أية مشاركات في الأنشطة العسكرية الخاصة والتي لا يصدر التفويض الصريح بشأنها من قبل اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية وتمنح المحاكم اختصاصات قضائية تتعدي الحدود القومية لدولتها علي أية شركة عسكرية خاصة موظفيها.
وقد اهتمت اللجنة الدولي للصليب الأحمر بموضوع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وتمثل اهتمامها باحترام هذه الشركات وأفرادها للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة ووضعت حد أدني للعناصر الضرورية وهي:
1 – يجب أن يكون موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ملمين بالإطار القانوني الذي يعملون داخله بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
2 – يجب أن تمتثل عملياتهم للقانون الدولي الإنساني أي أن تكون قواعد اشتباكهم وإجراءات عملهم الاعتيادية موافقة للقانون الدولي الإنساني.
3 – يجب أن يتم اتخاذ تدابير ترمي إلي كفالة هذه العناصر من قبل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ذاتها والدول التي تستأجر خدماتها والدول التي تكون الشركات مسجلة فيها والدول التي تعمل علي أراضيها ومن الممكن التعامل مع الحالتين بواسطة اعتماد إطار ضابط وحتى الآن لم تقدم سوي عدد قليل من الدول علي اعتماد تشريع يحدد إجراءات يتعين علي الشركات العسكرية والأمنية المؤسسة علي أراضيها الامتثال لها لكي يتم السماح لها بالعمل في الخارج ولا تضبط سوي قلة من الدول نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
ولم تكن الأمم المتحدة بعيدا عن هذا النشاط وتلك الظاهرة فأصدر مجلس الأمن قرارات بشأن المرتزقة وكونت الجمعية العامة لجنة لدراسة هذه الظاهرة وأقرت اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة وأقرت الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.
وتسعي مجموعة من الخبراء برعاية الأمم المتحدة لإعداد مدونة حسن سلوك لهذا القطاع المزدهر للأمن الخاص إلي جانب العمل علي تعريف جديد للمرتزقة يأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة علي الأرض، وتتكون هذه المجموعة من أثني عشرا خبيرا وقد عقدت اللجنة منذ عام 2001م ثلاثة اجتماعات في المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف لمناقشة هذه القضية.
وأوضحت مقررة اللجنة أن الغرض من اللجنة(تقديم النصح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول ما يمكن فعله لمراقبة نشاطات المرتزقة الذين يهددون الحكومات ويعرضون سلامة واستقلال أراضي الدول للخطر وينتهكون حقوق الإنسان في العالم إلا أنها اعترفت بأنه لا يمكن معاملة كل أجهزة الأمن المتخصصة بالحماية كمرتزقة).
وقد تم اقتراح عدد من المداخل التي تهدف إلي تنظيم سلوك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة علي نطاق دولي، فقد اقترح البعض فرض حظر عام علي أنشطة محددة، إلا أن البعض أفاد بأن هذه الشركات تؤدي دورا ضروريا، كما أنه من غير المحتمل أن تجرم الدول استخدام أي نوع من أنشطة الشركات الخاصة بشكل مطلق.
واقترح البعض أنشاء هيئة دولية لتنظيم الشركات العسكرية الخاصة، ولكن يشير هذا الاقتراح إلي أنه يتوجب علي الدول التخلي عن احتكارها التقليدي لعمليات التصدير المتعلقة بالخدمات وهذا يبدو بحد ذاته غير ممكن، بينما اقتراح البعض أبرام اتفاقية تحدد الحد الأدنى من معايير الرقابة والإدارة الخاصة بتلك الشركات بما في ذلك المعايير التالية:
1 – وضع نظام للترخيص يشتمل علي قائمة محددة بالخدمات التي تقدمها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والإبلاغ قبل طرح العطاءات إضافة ألي تسجيل الأفراد العاملين لدي هذه الشركات.
2 – تحديد الحد الأدنى من الشروط المطلوبة للترخيص فيما يتعلق بتوظيف الأفراد في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والهيكل التنظيمي للشركات وصلاحياتها وسياستها تجاه القانون وتنفيذ قانون النزاعات المسلحة وحقوق الإنسان.
3 – قيام رقابة برلمانية مستقلة علي الأنشطة التي تنفذها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
4 – تعيين الحد الأدنى من الشروط المتعلقة بالمنافسة والشفافية في عمليات الشراء وطرح العطاءات وإبرام العقود.
وقد يكون من الصعب تطبيق مثل هذه الخطة ولكنها تفيد في حماية قيام السلطات القومية بتنظيم الشركات والعسكرية والأمنية الخاصة التابعة لها إضافة إلي أن هذا الاقتراح يترك للجمهور العام في الدولة حرية تفسير تفاصيل معينة يمكن أن تشكل عوائق أمام التوصل إلي اتفاق حول معاهدة دولية.
وقد أصدر كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة قرارات تدين وتندد بممارسات المرتزقة خاصة ضد الدول النامية وحركات التحرر الوطني منها القرار رقم(40/74الصادر في 11/12/1985م) وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم(1986/43 المؤرخ في 23/5/1986م) الذي أدان فيه المجلس تزايد تجنيد المرتزقة وتمويلهم وحشدهم ونقلهم واستخدامهم والقرار رقم(41/102 الصادر في 4/12/1986م)بشأن المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان ولإعاقة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير، الصادر عن الجمعية العامة في جلستها العامة رقم(97)ويتكون هذا القرار من ديباجة طويلة من (12) فقرة إضافة إلي سبعة بنود، وأشار القرار في المقدمة إلي كل القرارات السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأكدت علي أن حق الشعوب في تقرير مصيرها غير قابل للمساومة، وأكد القرار أن الارتزاق يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ويخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والسلامة الإقليمية والاستقلال، كما أنها تعرقل حق الشعوب في تقرير مصيرها وكفاحها المشروع ضد الاستعمار.
أما عن بنود القرار فقد أدان تزايد اللجوء إلي تجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم ونقلهم واستخدامهم لأنها تقوض الاستقرار في الدول النامية، ونددت بأي دولة تلجأ إليهم أو تساعدهم وطالبت كافة الدول باتخاذ كل السبل لمنع ومحاربة سواء الإدارية منها والتشريعية بموجب القوانين الداخلية، كما طالبت الدول بتقديم كافة المساعدات الإنسانية لضحايا الأوضاع الناجمة عن استخدام المرتزقة وقررت الجمعية العامة أن تولي هذه المسألة الاهتمام الواجب في الدورات اللاحقة( ).
وفي 4/12/1980م أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم(35/48)الذي أنشأت بموجبه اللجنة المختصة لصياغة اتفاقية دولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدام وتمويلهم وتدريبهم( )وتم وضع مشروع الاتفاقية في صورته النهائية وعرض علي الجمعية العامة في 4/12/1989م في الجلسة العامة رقم(72) وتم إقرار الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم في القرار رقم(44/43)الصادر في4/12/1989م( ).
وهذه الاتفاقية تتكون من ديباجة وأحدي وعشرون مادة، ففي الديباجة أكدت الاتفاقية علي المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وأن أنشطة وتجنيد واستخدام المرتزقة تنتهك مبادئ القانون الدولي مثل المساواة في السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها واعتبرت ما سبق جرائم ذات اختصاص عالمي ينبغي محاكمة أو تسليم من يرتكبها، وصدور هذه الاتفاقية يعد اقتناعا منها بخطورة المرتزقة ودورهم الخطير واعتماد هذه الاتفاقية من شأنه المساهمة في التخلص منهم ومن دورهم الخطير وسوف نلقي مزيدا من الضوء علي هذه الاتفاقية في التكييف القانوني للشركات.
وأصدرت الجمعية العامة عدة قرارات بشأن المرتزقة منها القرار رقم(49/150) الصادر في( 23/12/1994م) والقرار رقم(50/138) الصادر في 1/12/1995م والقرار رقم (51/83) والقرار رقم(15/83) الصادر في( 12/12/1996م) والقرار رقم(52/112) الصادر بالجلسة العامة رقم(70) في (12/12/1997م) بشأن استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير.
والقرار الأخير يتكون من ديباجة تتكون من سبعة فقرات أكدت فيها الجمعية العامة خطورة المرتزقة وعدم شرعية تمويلهم أو تدريبهم أو حشدهم أو نقلهم أو استخدامهم لمخالفة ذلك لميثاق الأمم المتحدة مبادئ وأهداف وقواعد القانون الدولي وحثت الدول علي الانضمام إلي اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المرتزقة سالفة الذكر، وأكدت علي عدم شرعية المرتزقة في كافة صورها وأشكالها( ).
وأكدت الجمعية العامة في البند الثاني من القرار سالف الذكر علي عدم شرعية المرتزقة بكافة صورها وأشكالها لمخالفتها ميثاق الأمم المتحدة، وحثت جميع الدول علي اتخاذ الخطوات اللازمة وممارسة أقصي درجات اليقظة واتخاذ كافة التدابير التشريعية لمحاربة المرتزقة وطالبت الدول كافة بضرورة التعاون علي ذلك وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإعلان عن الآثار الضارة للمرتزقة علي حقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين، وطالبت الأمين العام أن يقوم بدعوة الدول لتقديم اقتراحات لتبني تعريف قانوني أوضح للمرتزقة وقررت أن تناقش موضوع المرتزقة في الدورة الثالثة والخمسين.
وفد أصدر مجلس الأمن عدة قرارات بشأن إدانة أي دولة تعمل علي إجازة أو إباحة تجنيد المرتزقة وتقديم التسهيلات لهم بهدف الإطاحة بحكومات دول أعضاء في الأمم المتحدة، منها القرار رقم(239/1967م) في 10/6/1967م والقرار رقم(405/1977م) الصادر في 14/4/1977م والقرار رقم (419/1997م) 24/11/1977م، والقرار رقم(946/1/12/1981م، والقرار رقم(507/1982) في 28/5/1982م.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم(1467/2003م) في جلسته المعقودة في 28/3/2003م) الذي قرر فيه المجلس اعتماد البيان المرفق بشأن الأسلحة الخفيفة والأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة والأخطار التي تهدد السلام والأمن في غرب أفريقيا ويتكون القرار من ديباجة أربعة فقرات وستة بنود،
في الديباجة طالب القرار السالف الدول الأفريقية بوقف دعم أنشطة المرتزقة في منطقة غرب أفريقيا واتخاذ كافة التدابير لمحاربة المرتزقة وأعرب عن قلقه البالغ من أنشطة المرتزقة وطالب بتوعية الدول بخطر المرتزقة وطالب الدول الإقليمية والدول غير الإقليمية بضرورة التعاون لوضع حد لظاهرة الاتجار في الأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة.
المبحث الثالث
التكييف القانوني للشركات العسكرية الدولية الخاصة
بعد أن انتهينا من إلقاء الضوء علي الموقف من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وكذلك الجهود الوطنية والدولية، نتناول بعد ذلك التكييف القانوني لها وطبيعتها القانونية ونري مدي مشروعيتها من عدمه هل هي شرعية أم أنها غير شرعية؟ وهل يوجد فرق بين المرتزقة وبين عناصر وأفراد هذه الشركات؟ نبدأ بتعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والفرق بينها وبين المرتزقة.
1 – تعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
اختلفت الآراء حول ماهية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ووضع تعريف لها فتعددت التعريفات والمصطلحات والمسميات التي تطلق علي هذه الشركات، وعادة ما يطلق عليها شركات تجنيد وتأجير المرتزقة أو شركات المرتزقة أو المرتزقة فقط وهذا المصطلح ظل يلازمها منذ أمد بعيد، ولكن ذلك كان في فترة عدم ظهور شركات متخصصة في ذلك ولكن بعد ظهور شركات تمتهن تقديم الخدمات العسكرية والأمنية فقد أطلق عليها الشركات العسكرية الخاصة وتارة الشركات الأمنية الخاصة أو شركات الحماية الأمنية أو المقاولون أو المتعاقدون المدنيون أو خصخصة الحرب( ).
وقال عنهم(كريستوفر بيز)المدير الإداري لشركة الأمن البريطانية(آرمور جروب) (أن السمة الغالبة للمرتزقة هي أنهم يقومون بعمليات دفاعية وليست بهجمات أننا نقدم جهاز حماية هو بتعريفة غير دفاعي) ويصفهم رئيس لجنة القوات المسلحة السابق في الكونجرس السناتور جون وورنر بأنهم(الشريك الصامت) وتطلق عليهم الصحف الأمريكية(المتعهدين المدنيين).
وقد أورد التقرير الموجز الصادر عن مركز جنيف للرقابة الديمقراطية علي القوات المسلحة الصادر في مارس2006م تعريفا لها(تمثل الشركات العسكرية الخاصة شركات تجارية تقدم خدمات متخصصة تتعلق بالحروب والنزاعات بما فبها العمليات القتالية والتخطيط الاستراتيجي وجمع المعلومات الاستخباراتية والدعم العملياتي والدعم اللوجستي والتدريب وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية وصيانتها ويتم تمييز هذه الشركات من خلال الصفات التالية:
الهيكل التنظيمي: الشركات العسكرية الخاصة هي شركات تجارية مسجلة تمتلك هيكلا تنظيميا خاصا بالشركات.
الدافع: تقدم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة خدماتها بهدف تحقيق الربح بشكل أساسي وهي لا تسعي إلي تنفيذ أجندة سياسية.
تتفاوت هذه الشركات في أحجامها إلي حد كبير حيث تتراوح في حجمها من شركات صغيرة تقدم خدمات استشارية وضخمة تتعدي الحدود القومية للدول التي أنشئت فيها، علي الرغم من بداية ظهورها خلال الحرب العالمية الثانية فإن التغييرات السياسية والطبيعية بالإضافة إلي أعادة هيكلة العديد من القوات المسلحة في عدة دول عقب نهاية الحرب الباردة سارعت في نمو الشركات العسكرية الخاصة، وفي هذه الأيام تتزايد عدد الشركات في القطاع العسكري والأمني يوما بعد يوم حتى انتشرت في أكثر من (50دولة).
ورأي التقرير السالف ضرورة التفرقة بين الشركات العسكرية الخاصة التي تقدم خدماتها في القطاع العسكري وبين الشركات الأمنية الخاصة التي تقدم خدماتها في القطاع الأمني والتي تخصص في الحراسات الأمنية سواء للأفراد أو المؤسسات إلا أنه يصعب التمييز بين الأدوار التي تنفذها تلك الشركات فلا توجد شركة متخصصة في القطاع العسكري وأخري في القطاع الأمني ولكن هذه الشركات تقدم خدماتها في المجالين العسكري والأمني معا.
وطالب البعض بضرورة وضع إطار قانوني لتنظيم نشاطات كل هذه الشركات دون وصفها بالمرتزقة وطالب في ذات الوقت التحديد الواضح لمن يعتبر مقاتلا في نظر القانون الدولي لأن ظهور هذا النوع الجديد من الشركات يؤدي إلي الخلط ورأي أنهم –أفراد هذه الشركات – يعتبرون من المدنيين طبقا للقانون الإنساني الدولي ولكنهم يقومون بعمليات شبة عسكرية.
وعرفها البعض بأنها(تلك الجيوش التي تتشكل من(جنود محترفين)يعرضون خدماتهم لطرف أجنبي في مقابل الحصول علي أموال ) فهؤلاء الجنود يشاركون في الصراعات المسلحة لأطراف خارجية إما مباشرة من خلال المشاركة في العمليات القتالية أو بصورة غير مباشرة من خلال تقديم الاستشارات العسكرية.
وعرفها أخر بأنها( تلك المنظمات التي تتجاوز خدماتها مجرد المساعدة السلبية لأطراف صراع ما إذ تقدم هذه الشركات التدريب والمعدات لتطوير القدرات العسكرية لعملائها وتوفر لهم الميزة الاستراتيجية والعملياتية الضرورية لقمع معارضيهم، أو حتى تذهب لأبعد من ذلك من خلال لعب دور نشط جنباً إلى جنب مع قوات العملاء كمضاعف للقوة، من خلال نشر قواتها الخاصة في أرض المعركة”)( )
ونحن نعرف هذه الشركات بأنها(شركات تجارية تقدم خدماتها في القطاعين العسكري والأمني خارج حدود دولة المنشأ أو بداخلها بهدف تحقيق الربح المادي) ومن ناحية التسمية نري أن يطلق عليها(الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة) وبناء علي هذا التعريف فأن هذه الشركات تتضمن العناصر الآتية:
1 – أن هذه شركات تجارية لأنها تقدم خدماتها مقابل الحصول علي مكسب مالي أي بغية الربح مثلها مثل بقية الشركات التجارية والاقتصادية التي تتاجر في السلع الغذائية و المادية.
2 – هذه الشركات تعمل في المجالين العسكري والأمني أي تقدم خدمات تقوم بها أو من اختصاص الجيوش النظامية الوطنية، والمجال الأمني حيث تقدم خدماتها في حراسة أشخاص سواء رؤساء دول أو حكومات وهي مهمة الأجهزة الأمنية في الدول أو وزارات الداخلية في الدول لذلك فهي شركات عسكرية وأمنية.
3 – هذه الشركات مملوكة لأفراد وليست مملوكة لحكومات أو دول لذلك فهي شركات خاصة تنشأ لحساب الأفراد المؤسسين لها.
4 – مهنة أو حرفة هذه الشركات التجارة في الأمن والأمان بتوريد مقاتلين أو توريد وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية أو التدريب أو الاستخبارات.
5 – هذه الشركات تتدخل في صراعات خارج دولة المنشأ أي أنها تعمل عادة خارج دولة المنشأ التي أنشئت فيها.
6 – هذه الشركات تمتلك هيكلا تنظيميا وبها إدارات كبقية الشركات التجارية الأخرى فلها رئيس مجلس إدارة وأعضاء مجلس الإدارة ومدير إداري وموظفون إداريون.
ويلاحظ أن الاتفاقيات الدولية عرفت المرتزقة وركزت عليها دون التعرض للشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة صراحة لسببين هما:
1 – أما لحداثة هذه الظاهرة فلم يتمكن الفقه الدولي من تناولها والحديث عنها، رغم وجودها منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكن يمكننا رد هذا لكلام، لأن الفقه الدولي دائما يسارع إلي بحث كل ظاهرة وتقنينها سواء من خلال المؤلفات العلمية أو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أو أكاديمية القانون الدولي بلاهاي، خاصة وأن الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة قد تعرضت لهذا الموضوع في العديد من القرارات والتوصيات.
2 – أن الفقه الدولي اعتبر هذه الشركات والعناصر التي تعمل فيها من قبيل المرتزقة ويتضح ذلك من تعريفات اتفاقية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وحتى فقهاء القانون الدولي ركزوا شروحهم علي المرتزقة ونحن نري أنه لا يوجد فرق بين المرتزقة وتلك الشركات بل أنها شركات للمرتزقة.
ويتضح ذلك من المهام التي تقوم هذه الشركات عن طريق عناصرها من ممارسة الأعمال التي تقتصر علي الجيوش النظامية فهي تشترك في القتال في نزاعات دولية أو داخلية لا علاقة لهما بها من قريب أو بعيد أو القيام بأعمال في القطاعين العسكري والأمني، وهو ما تقوم به عناصر المرتزقة.
إن الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة تعمل في ظروف خطرة تجعلهم علي اتصال مباشر بالأشخاص المعرضين للخطر الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977م، فالدول تلجأ إلي هذه الشركات لسد العجز لديها في الإمكانيات العسكرية من أسلحة وخبرة تدريبية، فيتم استخدام هذه الشركات لاستكمال هذا النقص( ).
والغريب في الأمر أن مؤيدي تلك الشركات تري أن المنظمات الدولية الإقليمية والأمم المتحدة يمكنها استخدام هذه الشركات في قوات حفظ السلام، ونحن نري أن ذلك محاولة خبيثة من أصحاب هذه الشركات لإضفاء الشرعية علي نشأة وعمل هذه الشركات، ولا يمكن اشتراك أفراد هذه الشركات في قوات حفظ السلام سواء التي تقوم الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية لما يأتي:
1 – اختلاف الغرض بين الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة وبين قوات حفظ السلام فالأخيرة مهمتها رسالة تؤديها لحفظ السلم والأمن الدولي في منطقة معينة، بينما الشركات غرضها وهدفها تجاري محض أي أنها تعمل من أجل الربح فمن مصلحتها عدم إنهاء النزاع بل الأفيد لها وهذا ما ستحاول عمله فعلا إطالة أمد النزاع وإشعاله، أما قوات حفظ السلام سوف تعمل علي تهدئة الأوضاع وإعادة الاستقرار، فالهدف والغرض مختلف لكل منهما، فهدف وغرض الشركات العسكرية والأمنية غير مشروع بينما الهدف من قوات حفظ السلام مشروع.
2 – أن أنشاء هذه الشركات للتجارة في الأمن والأمان فهي تعمل علي زيادة بؤر التوتر في العالم، بينما قوات حفظ السلام تعمل علي تحقيق وحفظ السلم والأمن الدوليين، فالمنطق والواقع يقول أن بينهما عداء مستحكم وليس تفاهم وتعامل.
3 – أن اشتراك هذه الشركات في قوات حفظ السلام يضفي عليها نوعا من الشرعية والمشروعية، مع العلم بأن كافة قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية تؤكد علي عدم شرعية المرتزقة وبالتالي إنشاء وعمل هذه الشركات.
4 – أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ولائها للربح والكسب المادي فهي تبيع ذلك لمن يدفع أكثر ولا يهمها السلام العالمي والأمن والاستقرار، لذلك يمكن لأحد طرفي النزاع شراء ولاء هذه الشركات وأفرادها مما يعيق عمليات حفظ السلام، فهم يبيعون ولائهم مقابل المال فلا يهم عندهم إذا كانت هذه الحرب مشروعة أم لا ما دامت تحقق لهم مكسبا ماديا وستدفع لهم مقابل خدماتهم الذي يطلبونه فهم يبيعون مبادئهم وأخلاقهم لمن يدفع أكثر.
إن مهام هذه الشركات وعملها لا يختلف عن عمل المرتزقة في شيء بل هو نسخة متطورة من عمل المرتزقة وأكثر اتساعا وشمولا من المرتزقة، نستطيع القول أنها نسخة متطورة من المرتزقة استعانت بالتقدم العلمي والتكنولوجي لتطوير نفسها وبالتالي فلا فرق بينها وبين المرتزقة في شيء بل العكس أنها أخطر من المرتزقة لإمكانياتها الواسعة والمتقدمة والمتطورة منها أنشطة الدعم اللوجستي للانتشار العسكري والعمليات وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والحماية الوثيقة للأشخاص وتدريب القوات المسلحة(الجيوش النظامية) وقوات الشرطة في الداخل أو في الخارج وجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء.
ونتيجة مذهبهم القاضي ببيع كل شيء حتى المبادئ والقيم من أجل الكسب المادي فقد كونت هذه الشركات عصابات للجريمة المنظمة وتاجروا في المخدرات والرقيق الأبيض وأداروا بيوت الدعارة حتى أن بعضهم أسس شبكات تقوم باختطاف الأطفال والأشخاص وخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية مثل الكلي والكبد للمتاجرة فيها كما تاجروا في الآثار، كما أن هذه الشركات تتفق مع المرتزقة في الهدف فالمرتزقة هدفه من اشتراكه في العمليات العسكرية والأمنية الربح، والشركات العسكرية والأمنية الخاصة هدفها الربح، أذن فلا فرق بينهما إلا في التطوير والإمكانيات واستخدام أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية.
وعملية التعاقد مع عناصر هذه الشركات تتم علي مراحل ففي الولايات المتحدة وهي تعد أكبر مستخدم لمثل تلك العناصر تبدأ المرحلة الأولي بتكليف البنتاجون أحدي الشركات العسكرية الخاصة أو شركات الحماية الأمنية الخاصة بتنفيذ مهمات معينة والمرحلة الثانية التعاقد مع وكلاء شركات أصغر يقومون بتجنيد الأفراد غالبا ما تكون الشركات الأخيرة غير مسجلة والراغبين في العمل يتم تحويلهم في مرحلة ثالثة إلي شركات أخري مسجلة رسميا حيث تتم مقابلتهم.
ويتم كتابة عقد بين الشركة والشخص الذي وقع عليه الاختيار يكون عادة بلغة لا يعرفها الفرد المراد تجنيده حتى لا يعرف مضمون العقد والالتزامات والحقوق لأنه ينطوي أساسا علي بنود مبهمة وغير واضحة منها التخلي عن حقوق أساسية مثل حق الحياة والتأمين والمعاش، والعقود سرية لا يمكن الإطلاع عليها من قبل الغير لأن الشركات تعتبر ذلك من أسرارها التي لا يجب الإطلاع عليها، والمرحلة الأخيرة يتم نقلهم إلي مقر العمل عن طريق شركة أخري( ).
وتقوم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصرف مرتبات مرتفعة جدا نظرا للخطورة الشديدة للمهام التي يقوم بها عناصرها حيث يصل مرتب الفرد الواحد في اليوم(من 500دولار إلي 1500دولار) ويصل مرتب البعض منهم إلي (15000 دولار) في اليوم، وتلك سمة غالبة علي عقود هذه الشركات لأغراء الأفراد بالعمل في هذه الشركات( ).
الاتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع المرتزقة محدودة منها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة والتي اعتمدها مؤتمر رؤساء وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الرابعة عشرة المعقودة في ليبرفيل في الفترة من 2/5/6/1977م التي تدين وتجرم الاترزاق العسكري وآثاره الضارة علي استقلال الدول الأفريقية وسلامتها الإفريقية، فنصت في المادة الأولي علي تعريف المرتزقة(بأنه الشخص “الذي يختار محلياً أو دولياً للقتال في صراع مسلح، ويشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية، وتشكل رغبته في الحصول على كسب شخصي الدافع من وراء مشاركته في القتال، وغالباً ما يكون قد وعد بالحصول على تعويضات مادية لقاء مشاركته في القتال إما من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه)( ) طبقا للتعريف السابق يشترط في المرتزقة ما يلي:
1 – أن يشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية.
2 – أن يكون دافعه من وراء الاشتراك في الأعمال القتالية المكسب المادي.
3 – أن يقدم التعويض المادي من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه.
أما الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد عرفت المرتزقة في المادة الأولي منها فنصت علي(لأغراض تطبيق هذه الاتفاقية:
1 – (المرتزق)هو أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كثيرا علي ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم:
(ج) ولا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع:
(د) وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع:
(هـ) ولم توفده دولة ليست طرفا في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد تواتها المسلحة.
2 – وفي أية حالة أخري، يكون المرتزق أيضا أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للاشتراك في عمل مدبر من أعمال العنف يرمي إلي:
1- الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخري: أو
2 – تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في ذلك هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي ذي شأن يحفزه علي ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة:
(ج) ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل ولا من المقيمين فيها:
(د) ولم توفده دولة في مهمة رسمية:
(هـ) وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ هذا العمل في إقليمها.)
يلاحظ علي المادة السابقة أنها توسعت في تعريف المرتزقة عن المادة الواردة في اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة، فلم تقتصر مهمة المرتزقة علي الاشتراك في الأعمال العدائية فقط بل مدت حكمها إلي أعمال العنف أيضا، فيكون الشخص مرتزقة إذا أشترك في أي عمل من أعمال القطاع العسكري أو قدم خدمة من الخدمات التي تقدم في الأعمال العسكرية، أو أشترك في أعمال العنف أي أعمال القطاع الأمني فقد شملت هذه المادة الأعمال العسكرية والأعمال الأمنية أي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فالمرتزقة طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة يشترط فيه الآتي( ):
1 – أن يجند خصيصا سواء محليا أو خارجيا للقتال في نزاع مسلح.
2 – أن يكون دافعه علي الاشتراك في الأعمال العدائية مغنم شخصي يتمثل في مكسب مادي.
3 – أن يدفع له المقابل المادي من قبل طرف في النزاع أو من ينوب عنه.
4 – أن يزيد هذا المقابل المادي عما يتقاضاه أمثاله من ضباط وجنود في القوات المسلحة الوطنية (الجيوش النظامية).
5 – ألا يكون من رعايا أي طرف من أطراف النزاع أو مقيم في إقليم خاضع لأي طرف من أطراف النزاع.
6 – ألا يكون من أفراد القوات المسلحة لأي طرف من أطراف النزاع.
7 – ألا يكون موفدا بصفة رسمية من قبل أي دولة من الدول لكونه من القوات المسلحة لهذه الدولة.
8 – يعتبر مرتزقا أيضا طبقا لهذه المادة من يجند داخليا أو خارجيا للقيام بأي عمل من أعمال العنف بهدف إسقاط حكومة شرعية أو تقويض النظام الدستوري لأي دولة من الدول أو تهديد السلامة الإقليمية لأي دولة من الدول شريطة الآتي:
أ – أن يكون دافعه الأساسي للاشتراك في أعمال العنف السابقة وغيرها الحصول علي مغنم شخصي مكافأة مالية.
ب – ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل من أعمال العنف ولا من المقيمين فيها.
ج – ولم يوفد في مهمة رسمية من قبل أي دولة من الدول.
د – إلا يكون من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ علي إقليمها عمل من أعمال العنف.
ورغم قدم ظاهرة المرتزقة إلا أنه لم يوضع تعريفا لها إلا في عام(1977م في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام1949م بناء علي اقتراح تقدمت به نيجيريا في مؤتمر جنيف الدبلوماسي بشأن القانون الدولي الإنساني في دورته الثانية عام 1976م وقد رحبت بالاقتراح دول العالم الثالث خاصة الدول الأفريقية التي عانت من هذه الظاهرة وقد اعتبر قرار الجمعية العامة الخاص بتعريف العدوان رقم(3314/29) الذي اعتبر إرسال المرتزقة للقيام بأعمال عنف عملا من أعمال العدوان، وقد نصت المادة(47) علي( ):
(1- لا يجوز للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب.
2- المرتزق هو أي شخص:
أ ) يجرى تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح
ب) يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية
ج ) يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم
د ) وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع
هـ) ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع
و ) وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.)
أن الشروط الواردة في المادة السابقة لن تحد من ظاهرة المرتزقة في المجتمع الدولي لأن المجند للاشتراك الفعلي في الأعمال العدائية لحساب دولة ليس من رعاياها ولا متوطنا فيها بقصد الحصول علي مغنم مادي يتجاوز بإفراط ما يحصل علية المماثلون له من مقاتلي جيش الدولة التي استعانت بهم، فالمعيار الذي أوردته المادة معيار غامض ويصعب الاعتماد عليه في هذا الشأن، ومن ناحية أخري فأن الشخص المعني لا ينطبق عليه وصف المرتزق إذا كان ما وعد به:
1 – لا يتجاوز ما يحصل عليه المقاتلون من ذوي الرتب المماثلة في القوات المسلحة التابعة لطرف النزاع الذي استعان به.
2 – أو كان ما وعد به هؤلاء أو ما يدفع لهم لا يتجاوز ما يحصل عليه مماثليهم في الجيوش النظامية.
مما يعني أن هذا الشرط لن يقضي أو يحد من ظاهرة المرتزقة لأن كان من يقبل بأقل مما يحصل عليه أفراد الجيوش النظامية خاصة وأن بعض الجيوش تعطي مرتبات عالية ومزاياها كثيرة لأفراد القوات المسلحة( ).
وقد اعتبرت تلك الاتفاقية في المادة الثانية منها(كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة، وفقا لتعريفهم الواردة في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية) وأضافت في المادة الثالثة اعتبار (1 – كل مرتزق، حسبما هو معرف في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يشترك اشتراكا مباشرا في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف، تبعا للحالة، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
2 – ليس في هذه المادة ما يحد من نطاق تطبيق المادة(4) من هذه الاتفاقية.)
وقد توسعت الاتفاقية فاعتبرت الشريك مرتكبا للجريمة والشروع اعتبرته جريمة كاملة أيضا فنصت في المادة الرابعة منها علي(يعتبر مرتكبا لجريمة كل شخص:
1- يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية:
2- يكون شريكا لشخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية.)
ورغم ذلك فقد انتقدت هذه المعاهدات لعدم الدقة في استعمال مصطلح (المرتزقة) لأنها تركز علي الدافع وراء الأعمال التي تنفذها القوات المرتزقة والتي تمثل صعوبة في تحديدها بحد ذاتها فعلي سبيل المثال يزعم عدد من الشركات الأمنية الأمريكية المتعاقدة للعمل في العراق بأنها بنفس الدافع الوطني التي يدفعها للعمل بهدف تحقيق المكاسب المادية.
بعد بيان تعريف كل من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وتعريف المرتزقة أتضح لنا أنه لا فرق بينهما بل أن أنشطة الشركات هي نسخة متطورة من المرتزقة، ولا شك أن أنشطة المرتزقة تخالف العديد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام مثل مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ومبدأ استقلال الدول ومبدأ السلامة الإقليمية ومبدأ احظر استخدام القوة ومبدأ العيش في أمن وسلام، كما أنها تعرقل حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة كما أنها تتعارض مع حرية الدولة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي، كما أنها تمثل اعتداء علي حقوق الإنسان، وقبل كل ذلك أنها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين فأنها تمثل سببا مهما من أسباب تهديد السلم والأمن والدوليين( ).
لذلك فأن كافة صور المرتزقة سواء الاستخدام أو التدريب أو الجلب عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي مهما كان الهدف منها خاصة المواد من (29/31) من اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899م/1907م بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية والمادة (5) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة(46)من البرتوكول الإضافي الأول لعام1977م لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م( ).
وهناك دليل آخر علي عدم شرعية إنشاء شركات عسكرية وأمنية خاصة في نص المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد نصت علي:
(1 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية، يحظر هذه الأنشطة.
2 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، حسبما يعترف به القانون الدولي، وعليها أن تتخذ الإجراءات المناسبة، وفقا للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.
3 – تعاقب الدول الأطراف علي الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم.)
إضافة لما سبق فأننا أوردنا في الجهود الدولية العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة الجمعية العامة ومجلس الأمن تدل دلالة واضحة لا لبس فيها علي تحريم وتجريم المرتزقة في كافة صورها بل الاستخدام والتجنيد والجلب والاستعمال مما يدل علي أن هذه الشركات غير شرعية من حيث النشأة والمنهج والاستعمال أي بكافة الأشكال أي نشأة ومنهجا، ولا يجوز التذرع بأي سبب لإباحتها أو إضفاء الشرعية ليس علي التعامل معها فقط بل ونشأتها أيضا، فما تفعله هذه الشركات أنها تجند المرتزقة وتستخدمهم وتمولهم وتدربهم أليس هذا هو عمل هذه الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة.
لم يتوقف القانون الدولي عند حظر المرتزقة استخداما وتجنيدا وتدريبا بل وصل الأمر إلي اعتبارها جريمة من الجرائم ذات الاختصاص الدولي( )، ونظرا لخطورة هذه الجريمة نصت الاتفاقية السابقة علي جعل الشروع والاشتراك فيها جريمة من الجرائم التي يجب معاقبة من يرتكبها وجعلتها من الجرائم التي تستوجب تسليم المجرمين حتى في حالة عدم وجود معاهدة تسليم بين الدول واعتبرت الجريمة وقعت في علي أراضي الدولة الذي قبض علي المتهم فيها وذلك في المادة(15)منها التي نصت علي أن(
1 – تعتبر الجرائم المنصوص عليها في المواد(2/3/4)من هذه الاتفاقية في عداد الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين في أية معاهدة لتسليم المجرمين نافذة بين الدول الأطراف، وتتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم بوصفها جرائم تستدعي تسليم المجرمين في كل معاهدة تسليم تعقد فيما بينها.
2 – إذا تلقت دولة طرف تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة طلب تسليم من دولة طرف أخري لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المجرمين جاز لها إذا شاءت أن تعتبر هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يتعلق بهذه الجرائم وتخضع عملية تسليم المجرمين للشروط الأخرى التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
3 – علي الدول الأطراف التي لا تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة أن تعتبر هذه الجرائم من الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين فيما بينها مع مراعاة الشروط التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
4 – تعامل الجرائم لغرض تسليم المجرمين بين الدول الأطراف وكأنها قد ارتكبت لا في المكان الذي وقعت فيه فحسب بل أيضا في أقاليم الدول المطلوب منها إقامة ولايتها القضائية وفقا للمادة(9) من هذه الاتفاقية.)
وطالبت الدول بالتعاون القضائي لأقصي درجة من درجات التعاون نظرا لخطورة جريمة المرتزقة علي السلم والأمن الدوليين، فنصت في المادة(13) منها علي(1 – تتبادل الدول الأطراف المساعدة إلي أقصي حد فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية التي تتخذ بشأن الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بما في ذلك تقديم جميع ما بحوزتها من أدلة لازمة لتلك الإجراءات ويسري في جميع الحالات قانون الدولة المطلوب مساعدتها.
2 – لا تمس أحكام الفقرة(1)من هذه المادة الالتزامات المنصوص عليها في أية معاهدة أخري فيما يتعلق بالمساعدة القضائية المتبادلة.)
كما فرضت الاتفاقية السابقة علي الدول اتخاذ عدة إجراءات لمحاكمة المتهم سواء كان من مواطنيها أم لا، بينتها في المادة العاشرة منها فنصت علي أن(1 – تقوم أي دولة طرف يوجد في إقليمها الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة، لدي اقتناعها بأن الظروف تبرر ذلك بحبسه وفقا لقوانينها أو اتخاذ تدابير أخري لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتخاذ أية إجراءات جنائية أو إجراءات تسليم، وتجري هذه الدولة الطرف فورا تحقيقا أوليا في الوقائع.
2 – عندما تقوم أي دولة طرف، عملا بهذه المادة، بحبس أحد الأشخاص أو باتخاذ التدابير الأخرى المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة، عليها أن تخطر بذلك دون تأخير، سواء مباشرة أو بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، ما يلي:
(أ) الدولة الطرف التي ارتكبت فيها الجريمة:
(ب) الدولة الطرف التي ارتكبت الجريمة ضدها أو شرع فيها ضدها:
(ج) الدولة الطرف التي يكون الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ارتكبت الجريمة ضده أو شرع فيها ضده من مواطنيها:
(د) الدولة الطرف التي يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة من مواطنيها، أو يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها إن كان عديم الجنسية:
(هـ) أي طرف دولة معنية أخري تري من المناسب أخطارها.
3 – يحق لكل شخص تتخذ بشأنه التدابير المشار إليها في الفقرة(1)من هذه المادة:
(أ) أن يتصل دون تأخير بأقرب ممثل مناسب من ممثلي الدولة التي يكون من مواطنيها أو التي لها بأية صورة الحق في حماية حقوقه، أو إذا كان شخصا عديم الجنسية، الدولة التي يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها،
(ب) أن يزوره ممثل تلك الدولة.
4 – لا تخل أحكام الفقرة (3) من هذه المادة بحق أية دولة طرف، لها حق الولاية القضائية ووفقا للفقرة (1/ب)من هذه المادة(9) في أن تدعو لجنة الصليب الأحمر الدولية إلي الاتصال بالشخص المنسوب إليه الجريمة وإلي زيارته.
5 – تبادر الدولة التي تجري التحقيق الأولي المتوخي في الفقرة (1)من هذه المادة بإبلاغ نتائج تحقيقها للدول المشار إليها في الفقرة(2)من هذه المادة وتبين ما إذا كانت تعتزم ممارسة ولايتها القضائية.)
يتضح من نصوص هذه الاتفاقية واتفاقية منظمة الاتحاد الأفريقي لمناهضة المرتزقة، والقرارات الصادرة من كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة والسابق ذكرها، أن احتراف مهنة المرتزقة غير شرعية وتقع خارج دائرة الشرعية الدولية والقانون الدولي، كما أنها تعد جريمة دولية خطيرة ذات اختصاص عالمي، فضلا عن أن استخدام المرتزقة يعد غير مشروع وتجنيد المرتزقة وهو ما تفعله الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة غير مشروع بل جريمة خطيرة من الجرائم الدولية ذات الاختصاص العالمي، ويمثل تدريب المرتزقة أيضا جريمة من الجرائم الدولية الخطيرة ذات الاختصاص العالمي( )، وكل ما سبق تفعله الشركات العسكرية الدولية الخاصة.
وتتحمل الدول التي صرحت وسمحت بإنشاء تلك الشركات علي أراضيها والدول التي تستخدمها المسئولية الدولية كاملة عن أعمال هذه الشركات والجرائم التي يرتكبونها في أي دولة من الدول طبقا لما ورد في مواد اللجنة القانونية الدولية حول (المسئولية الدولية لعام2001)والتي نصت علي أنه( تقع علي عاتق الدول مسئولية الأعمال التي تقوم بها الجهات غير الحكومية بالنيابة عن الدولة) والشركات العسكرية والأمنية الخاصة تقوم بذلك.
مما سبق يتبن أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة شركات للمرتزقة مهما أطلق عليها من تسميات مضللة خادعة، ومهما قيل في تبريرها وجودا وحياة فهي غير شرعية بل أنها تعد من أخطر جرائم العصر فهي تهدد السلم والأمن الدوليين في كل رجا من أرجاء الأرض، فالجرائم التي يرتكبوها والمذابح التي يقدمون عليها بدم بارد في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا وفي أفغانستان وفي أفريقيا علي مدي عقود طويلة وفي العراق، ولا نغالي في القول إذا قلنا أنهم وراء كل بؤر التوتر وعدم الاستقرار في العالم فيه حقا تهدد السلم والأمن الدوليين فمن يجرؤ بعد ذلك علي القول بشرعيتها وضرورة وجودها في الحياة إلا تجار الحروب والموت والدمار والخراب أصحاب المجمع الصناعي العسكري الخاص وأنصارهم وأذيالهم من ضعاف النفوس والخونة والعملاء من الحكام.
1 person likes this.
المفهوم القانوني للاوراق التجارية .
بحث جزائري يتكلم عن :
الأوراق التجارية
وظائف الأوراق التجارية
الأوراق التجارية PDF
أنواع الأوراق التجارية pdf
الأوراق التجارية في القانون المصري pdf
تعريف الأوراق التجارية في القانون المصري
شروط الأوراق التجارية
تعريف الأوراق التجارية الإلكترونية
اولا تعريف الاوراق التجارية:
هي صكوك مكتوبة وفقا لأوضاع شكلية معنية حددها القانون وقابلة للتداول بالطرق التجارية وتمثل حقا موضوعه مبلغا من النقود .
ثانيا : التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية :
1. في الاختصاص النوعي و المحلي .
2. في الإثبات .
3. في التضامن .
ثالثا : خصائص الأوراق التجارية :
1. الشكلية في الأوراق التجارية .
2. القابلية للتداول بالطرق التجارية (التظهير ).
3. موضوعها عبارة عن مبالغ مالية معينة ومحددة من النقود .
4. استحقاق هذه الأوراق إما بمجرد الاطلاع عليها أو إما بعد اجل قصير .
5. قبول العرف لهذه الأوراق كأدوات وفاء وائتمان .
رابعا : وظائف الأوراق التجارية :
1. الورقة التجارية كأداة إبرام عقد الصرف .
2. الورقة التجارية كأداة وفاء .
3. الورقة التجارية كأداة ائتمان .
خامسا : التمييز بين الأوراق التجارية وغيرها من الصكوك التجارية :
1. التمييز بين الأوراق التجارية والأوراق المالية .
2. التمييز بين الأوراق التجارية والصكوك الممثلة لبضائع .
3. التمييز بين الأوراق التجارية وأوراق النقد .
سادسا : قانون الصرف وخصائصه:
1. تعريف قانون الصرف .
2. خصائص القانون الصرفي:
· الشكلية .
· الكفاية الذاتية .
· استقلال التوقيعات .
· التشدد على المدين للوفاء بالورقة .
· إقامة التوازن بين المصالح في الورقة التجارية .
السفتجة
السفتجة هي محرر شكلي مكتوب وفق أوضاع شكلية معينة حددها القانون في المادة 390 من القانون التجاري الجزائري .
هذا الشكل هو عبارة عن البيانات الإلزامية التي استوجب القانون توافرها وهي أساسية لاكتساب الصك لصفة السفتجة وبتسمية الورقة التجارية وحسب المادة 390 من القانون التجاري الجزائري حدد المشرع الجزائري البيانات التي يجب أن تشتمل عليها السفتجة ، علما بأنه يمكن للطرفين أن يدرجا في السند بيانات أخرى ، تتصف بالصفة الاختيارية .
أولا : البيانات الإلزامية :
1. لفظ السفتجة في متن الصك .
2. الأمر المطلق بدفع مبلغ مدين .
3. المبلغ الواجب الدفع .
4. تحديد اسم المسحوب عليه ( اسم من يجب عليه الوفاء )
5. تاريخ الاستحقاق ( الوفاء )
6. تحديد مكان الوفاء .
7. اسم المستفيد ( من يجب الدفع له أو لأمره ).
8. بيان تاريخ إنشاء السفتجة ومكانه .
9. توقيع الساحب على السفتجة .
ثانيا : البيانات الاختيارية :
يمكن إضافة بيانات اختيارية إلى الجانب تلك البيانات المنصوص عليها بالمادة 390 من ق. ت . ج إذا أن القاعدة أن أطراف السفتجة أحرار في تضمينها ما يشاءون من البيانات اختيارية بشرط أن لا تكون مخالفة للنظام العام والآداب .
وتتمثل هذه البيانات فيما يلي :
1 – شرط عدم التقديم للقبول الأبعد اجل معين .
2 – شرط القبول .
3 – شرط محل الدفع المختار .
4 – شرط إخطار المسحوب عليه .
5 – شرط الرجوع بلا مصاريف أو شرط الرجوع بدون احتجاج .
6 – شرط عدم القبول .
7 – شرط عدم الضمان ( عدم ضمان القبول وليس الوفاء ) م 394 ق . ت . ج .
الشروط الموضوعية لصحة الالتزام التجاري
القاعدة أن السفتجة محرر شكلي ينشا باستيفاء البيانات الإلزامية ليعبر انه يلاحظ أن السفتجة تشمل توقيعات وهذا التوقيع صادر عن إرادة ، إذا هو التزام إرادي ، وبالتالي يجب أن يتوفر في هذا الالتزام الرضا الخالي من العيوب وان يكون محله وسببه مشروعا .
أولا : الرضا
التوقيع على السفتجة يعبر عن رضا الساحب وتثبيت التزامه وبالتالي اذا لم توقع من قبل ساحبها اعتبرت لا قيمة لها .
ثانيا : الأهلية
باعتبار أن السفتجة عملا تجاري بحسب الشكل طبقا للمادة 389 ق . ت . ج . مهما كان الأشخاص المنشئين لها تجارا أو غير تجارا ، فيجب على كل من يوقع عليها أن يكون أهلا للقيام بالأعمال التجارية .
ثالثا : محل الالتزام وسببه :
محل الالتزام في السفتجة هو دفع مبلغ من النقود ، محدد تحديدا دقيقا ، ولا يثير المحل في الأوراق التجارية أهمية خاصة .
بينما السبب المنشئ للتوقيع فيجب أن يكون موجودا ومشروعا وغير مخالف للنظام العام أو الأدب ، وانتفاء السبب أو عدم المشروعية يجعل الالتزام باطل ويجوز إثباته يا كفة طرق الإثبات .
والتماسك بانتفاء السبب أو عدم المشروعية يتمسك به في مواجهة الحامل حسن النية وهذا لتسهيل تداول الأوراق التجارية .
تعدد النسخ و النظائر
أولا : النسخ ( الصور ) Les Copies
تحرر النسخ من طرف الحامل نفسه وقد يكون بخط يده أو بالة كاتبة أو صور فوتوغرافية .
هذا العمل أجازه المشروع الجزائري في المادة 458 من القانون التجارية لكن المشروع اخضع هذه العملية بشروط حددتها المادة 458 و 459 من ق . ت
1 – الآثار المترتبة على هذه الصورة :
تتداول السفتجة كالأصل .
إلزام الشخص الذي بيده الأصل أن يسلمه لحامل النسخة الشرعي .
لا يمكن الوفاء بالنسخة من طرف المسحوب عليه طالما لم يلحق بها الأصل .
إذا لم يرد في النسخة بأنها نسخة فيحق لكل حامل حسن النية أن يتمسك بها كأصل.
إذا تضمنه السند الأصلي بعد استخراج نسخة من عبارة ابتداء من هذا لا يصح التطهير إلا على النسخة أو عبارة أخرى تفيد نفس المعني فان التظهير الحاصل فيما بعد على الأصل يعتبر باطلا ( م 459 ق . ت . ج )
ثانيا : النظائر Les Exemplaires
النظائر هي من تحرير من الساحب نفسه إما من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من المستفيد أو حامل لاصق .
هذا العمل كذلك أجازه القانون التجاري الجزائري في المادة 455 منه منبر انه أخضعه لشروط معينة للحيلولة دون الوفاء بذات السفتجة عدة مرات .
1 – الآثار المترتبة على استخراج عدة نظائر :
* الوفاء بأحد النظائر مبرئ للذمة .
* المسحوب عليه الذي اشر على أحد النظائر بالقبول يبقي ملزما بالوفاء بمقتضى كل نظير مقبول منه لم يسترده
* عند إرسال أحد النظائر للقبول يجب على المرسل أن يوضح على باقي النظائر اسم من بيده النظير المقبول .
ثالثا : الفروق بين الصور والنظائر :
1 – الصور ينظمها الحامل ولا لطلب أن يوقع عليها الموقعون على السفتجة الأصلية ، أما النظير فيجب أن يطلبها الحامل من الشخص الذي ظهر له السفتجة وهذا يرشده إلى المظهر السابق وهكذا صعودا حين إلى الساحب .
2 – دفع قيمة السفتجة بموجب الصورة ( النسخة ) ألا يبرئ الذمة ، أما إذا كانت الصورة مرفقة بالنسخة الأصلية ، أما دفع قيمة الورقة بموجب النظير فيكون مبرئا للذمة لان النظير يقوم مقام الأصل .
3 – لم يشترط القانون ترقيم الصور ولكنه اشترط ترقيم النظائر .
التظهير
للحامل الخيار بأن يحتفظ بالسفتجة إلى تاريخ استحقاقها أو أن يتنازل عن الحق الثابت فيها إلى الغير مقابل قبض قيمتها مادام انه مالكا للسفتجة ، وتسمى هذه العملية بالتظهير ، ويتم ذلك بان يكتب على السفتجة أو على ورقة متصلة بها ” ادفعوا لأمر فلان ” وبالتالي يحتل المستفيد اسم المظهر ومن استلمها بالحامل الجديد او المظهر أليه .
هذا التظهير قد يقصد به نقل الحق الثابت الى المظهر إليه ويسمى بالتظهير الناقل للملكية، وقد يقصد به منح شخص السلطة في استلام مبلغ السفتجة بدلا من مالكها وذلك عند تاريخ الاستحقاق ويسمى بالتظهير التوكيلي وقد يقصد به ضمان هذه السفتجة من اجل ضمان دين على المظهر ويسمى بالتظهير التأميني
أولا : التظهير ناقل للملكية
I – التظهير الناقل للملكية هو تصرف في المبلغ الثابت في السفتجة وسحب جديد للورقة من جانب المظهر. وبهذا فهو يخضع لجملة من الشروط حتى ينتج آثاره القانونية .وهذه الشروط هي شروط شكلية وأخرى موضوعية :
1)- الشروط الشكلية :
أ- الكتابة : يتم التظهير بكتابة العبارة التالية : (ادفعوا لأمر فلان او انتقلت لأمر فلان ….) ويتم ذلك على متن السفتجة نفسها او على ورقة ملحقة بها . وان كان الغالب يتم على ظهرها .
ب – التوقيع : يجب على المظهر إن يوقع على السفتجة ، ويحب ان يوقع على مبلغ السفتجة كله . إذ أن التظهير الجزئي باطل ( م 396/6 تجاري . ج )
ج – تاريخ التظهير : حسب نص المادة 402/ ق.ت.ج ان ذكر التاريخ او عدم ذكره لا يؤثر في شكل السفتجة . ولكن ذكره او عدم ذكره يرتب آثار قانونية. فالفقرة الثانية من نفس المادة تعتبر ان التظهير بدون بيان لتاريخه يعتبر واقعا قبل انقضاء الأجل المعين للاحتجاج ما لم تقم الحجة على خلافه .
والفقرة الثالثة منعت تقديم تواريخ الأوامر بالدفع وألا عد ذلك تزويرا
2)- الشروط الموضوعية :
المظهر يجب ان يتوفر فيه نفس الأهلية التي يخضع لها الساحب ( الرضا ، السبب ، المحل ) .
II – آثار التظهير الناقل للملكية :
1)- انتقال الملكية من المظهر الى المظهر إليه وهذا الأخير يصبح حاملا جديدا وبالتالي فان ملكية مقابل الوفاء تنتقل الى الحامل الجديد الذي يعتبر المالك الشرعي للورقة ( الفقرة الأولى من المادة 399 ت ، ج ).
2)- التزام المظهر بالضمان ، فالمظهر ضامن للمظهر اليه ولكل حامل يليه بالوفاء بقيمة السفتجة وقبولها ، إلا إذا أعفى نفسه من عدم ضمان القبول (الفقرة الاولى من المادة 398 ).
3)- إعمال قاعدة تطهير الدفوع : وفقا لنص المادة 400 تجاري ج ، يتضح لنا انه لا يجوز للمدين بقيمة الورقة التجارية الاحتجاج في مواجهة حاملها الشرعي بالدفوع التي كان له التمسك بها إزاء غيره من الموقعين السابقين عليه ولا يقتصر مفهوم المدين هنا على المدين الاصلي بقيمة الورقة وانما يشمل ضمان للوفاء .
ويجب إعمال قاعدة عدم الاحتجاج بالدفوع او التطهير ، توافر شروط ثلاثة هي: ان يكون تظهير ناقل للملكية ،وان يكون الحامل حسن النية ، وألا يكون طرفا في العلاقة الناشئ عنها الدفع ( انظر: المادة 400 ).
ثانيا : التظهير التوكيلي
I – لا يقصد به نقل الملكية الى المظهر له ، بل توكيله في تحصيل قيمة السفتجة عند تاريخ استحقاقها ، ويغلب تعامل يهذا الشكل مع البنوك حيث يعهد حامل الورقة الى البنك الذي يتعامل معه لتحصيل قيمة وقيدها في حسابه البنكي .(المادة : 401 ق ، ت ، ج )
هذا الشكل من التظهير يخضع هو الآخر الى شروط شكلية وأخرى موضوعية بتوافرها ينتج آثاره القانونية .
1)- الشروط الشكلية :
يجب ان يذكر صراحه في متن السفتجة في عبارة تفيد توكيل الحامل (المظهر) المظهر له بالقيام بالإجراءات القانونية ، كأن يقال : ” القيمة للتحصيل، للقبض للاستيفاء ، بالوكالة ” ( المادة 401 /1 ق ، ت، ج). ثم يوقع الحامل تحت هذه العبارة .
2) – الشروط الموضوعية :
التظهير التوكيلي عمل إرادي يرتب آثارا قانونية ، ولذلك يجب ان تتوفر فيه الشروط اللازمة لصحة العمل الإرادي من رضى ومحل وسبب إلا انه لا يشترط لدى المظهر على سبيل التوكيل الأهلية الكاملة للتعامل بالسفتجة ، انه لا يترتب على التظهير ان يصير المظهر ملتزما اتجاه المظهر إليه بثمة التزام صرفي . ويكون للنائب القانوني عن حامل الورقة التجارية ناقص الأهلية ان يقوم بتظهيرها تظهيرا توكيليا مثل الوالي والوصي والقيم بالنسبة للسفاتج التي يملكها القاصر او الناقص الأهلية.
II- آثار التظهير التوكيلي :
1) – بالنسبة لطرفية : يعتبر المظهر له وكيلا للمظهر ، وتكون له كامل الحقوق الناشئة عن الوكالة ، وعليه الالتزام بتنفيذ التعليمات الصادرة عن المظهر ومتى قيض قيمة السفتجة تعين عليه أن يرد المبلغ الى المظهر له ويقدم الحساب للموكل إذا كانت عنده عدة سفاتج، وينبغي على الموكل ان يرد له النفقات او المصاريف التي أنفقها في سبيل الحصول على قيمة السفتجة.
2) – بالنسبة للغير : المظهر له هو مجرد وكيل لتحصيل فقط وله ان يستعمل جميع الحقوق لمصلحة المظهر مثل تقديم السفتجة للقبول، المطالبة بالوفاء في تاريخ الاستحقاق ، توجيه الاحتجاج في حالة عدم الوفاء ، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة …
ثالثا : التظهير التأميني .
بهدف التظهير التامين الى رهن الحق الثابت في السفتجة لضمان دين معين في ذمة المظهر للمظهر إليه ، فيكون المظهر هو المدين الراهن و المظهر إليه الدائن المرتهن ، وقد أجازه المشرع التجاري الجزائري في الفقرة الرابعة من المادة 401 ، واشترط ان يدرج في صيغة التظهير عبارة تفيد انه حامل على سبيل الرهن او التامين ، كعبارة : ” القيمة للرهن او القيمة للضمان ” او أي عبارة تفيد انه رهن حيازي .
ويجب ان يدون التظهير التامين كتابة في ظهر الورقة التجارية او في الورقة المتصلة بها ، ويستوجب القانون ان تكون صياغة التظهير واضحة ، و يجب تذييل التظهير بتوقيع المظهر إذ هو تعبير عن الإرادة المعلنة في رهن الحق الثابت في السفتجة .
كما يشترط في من يقوم بتظهير الورقة التجارية تظهيرا تأمينيا ان تتوافر فيه الشروط الواجب توافرها فيمن يقوم بتظهيرها تظهيرا ناقلا للملكية .
ونشير في الأخير، أن التظهير التأميني نادر الوقوع من الناحية العملية .
الوفـــــــــاء
يصبح الحامل الأخير بمقتضى حيازته للورقة دائنا تجاه المسحوب عليه ، ولكنه لا يمكنه الحصول على الوفاء إلا في التاريخ المنصوص عليه في الورقة ، وهو تاريخ الاستحقاق .
أولا : الأساليب المختلفة لتحديد تاريخ الاستحقاق أو الوفاء
بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 410 فانه يجوز أن تكون السفتجة المستحقة الأداء بمجرد الاطلاع عليها ، أو بعد مدة من الاطلاع أو في يوم محدد أو بعد مدة معينة من تحريرها ، وتعد باطلة السفتجة التي تتضمن آجال استحقاق أخرى أو تتضمن استحقاقات متعاقبة .
1 ) الوفاء بمجرد الاطلاع : payable a vue
تكون السفتجة المسحوبة بمجرد الاطلاع ، واجبة الأداء عند تقديمها للمسحوب عليه ويجب أن تقدم خلال سنة من تاريخ تحريرها ، إلا إذا قصرت أو مددت هذه الفترة من طرف الساحب أو إذا قصرت من طرف المظهرين .
وإذا اشترط الساحب أن لا يحصل التقديم للأداء قبل اجل معين فان مدة السنة تبدأ في السريان من انقضاء هذا الأجل ( المادة 411 ) .
وعندما يشترط الساحــب عــــدم تقــديم السند للأداء قبـل انـقضاء اجل معلوم ، فان المـظهـر لا يستطيع أن يمدد هذا الأجل أو يقصره ، وإنما يستطيع أن يقصر مدة التقديم التي هي سنة في هذه الحالة والتي تبدأ من انقضاء الأجل المحدد من طرف الساحب .
وتحتاج السفتجة المستحقة الأداء لدى الاطلاع على عرضها للقبول لان عرضها على المسحوب عليه ، إنما يكون لتأدية قيمتها .
وليس من الضروري أن تذكر في السفتجة عبارة ” لدى الاطلاع ” لتعتبر مستحقة الوفاء حين عرضها على المسحوب عليه ، بل تعتبر مستحقة الأداء لدى الاطلاع أيضا إذا لم يذكر فيها أي تاريخ لاستحقاقها ، وكذلك تعتبر السفتجة مستحقة الوفاء لدى الاطلاع إذا تضمنت عبارة ” لدى أول طلب ” أو عبارة ” في كل لحظة أو وقت ” .
2 ) الوفاء بعد مدّة معينة من الاطلاع :payable a incertain délai de vue
قد تتضمن السفتجة العبارة التالية : ” ادفعوا بعد عشرة ايام من تاريخ الاطلاع …الخ ” ففي مثل هذه الحالة ، يتعين تاريخ الاستحقاق بالنسبة لتاريخ تقديم الورقة للمسحوب عليه للقبول ، فيقتضي بالتالي من اجل تحديد تاريخ الاستحقاق أن تكون عبارة القبول مؤرخة .
فإذا عرضت السفتجة للقبول ورفض المسحوب عليه قبولها ، فانه يجب على الحامل أن يقوم بتنظيم الاحتجاج لعدم القبول ، ويتعين تاريخ الاستحقاق اعتبارا من تاريخ تنظيم الاحتجاج ( المادة 412 /1 ) . وإذا لم يؤرخ القبول اعتبر حاصلا في اليوم الأخير من المدة المحددة لتقديم السفتجة (المادة 412/2 )
3 ) الوفاء في يوم محدد : payable a jour fixe
يكون الاستحقاق في تاريخ محدد عندما يذكر هذا التاريخ بصورة واضحة في السفتجة كأن يقال : ” ادفعوا في يوم 14 مارس 2002 ” فيستحق السند عندئذ في اليوم المحدد .
وإذا حدد يوم الاستحقاق في بداية الشهر أو في منتصفه وفي آخره ، فيقصد بذلك اليوم الأول من الشهر أو الخامس عشر منه أو آ خر يوم فيه ( المادة 412/5 ) .
4 ) الوفاء بعد مدة معينة من تاريخ تحرير االسفتجة : Payable a un certain délai de date
في السفاتج التي تسحب لتدفع بعد مضي مدة معينة من تاريخها ، يرجع في حساب المدة إلى تاريخ كتابة الورقة ، وإلى التقويم المبين فيها .
والمثال على ذلك أن يرد في الورقة عبارة : ” ادفعوا بثلاثة اشهر ” أو” بثمانية أيام ، أو بخمسة أيام ، أو بنصف شهر ” .ومعنى ذلك أن الحامل يستلم مبلغ السفتجة بمرور ثلاثة اشهر أو ثمانية أيام أو خمسة عشر يوم من تاريخ تحرير السفتجة ( راجع : المادة 412 ) .
ثانيا : تأجيل موعد الاستحقاق
الأصل العام أن السفتجة ، لا تقبل أية مهلة ميسرة ، وفقا لمبدأ التشدد تجاه المسحوب عليه ، فالحامل يجب أن يتمكن من الاعتماد على الوفاء في اليوم المحدد وبالرغم من صرامة هذا المبدأ ، فإنه يخضع لبعض الإستثناءات التي يكون مصدرها إما القانون وإما الاتفاق .
1) التأجيل القانوني :
يتأجل استحقاق السفتجة بحكم القانون إذا صادف استحقاقها يوم عطلة رسمية ( المادة 462 ق.ت.ج ) وكذلك في حالة القوة القاهرة ( المادة 438 ق.ت.ج ) .
2) التأجيل الإتفاقي :
قد يتعذر على المسحوب عليه عند حلول اجل الاستحقاق الوفاء بقيمة السفتجة ، فيلجا إلى الحامل طالبا تمديد اجلها فإذا رضى الحامل بالتمديد تنشئ ورقة جديدة تحل محل الورقة السابقة أو يكتب بيانا جديدا لتاريخ الاستحقاق يكتب على الورقة ذاتها عبارة تفيد التأجيل .
ثالثا : التقديم للوفاء :
لا يلزم المدين بسفتجة أن يؤدي قيمتها إلى الحامل في موطنه ، وإنما يتعين على هذا الأخير أن يبادر لمطالبته بقيمتها ، فالحامل ملزم بالتقديم بالمواعيد القانونية .
1- تحديد الحامل الشرعي :
تقدم السفتجة للوفاء من طرف الحامل الشرعي لها ويعتبر حاملا شرعيا للسفتجة بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 399 ، كل شخص انتقلت إليه السفتجة عن طريق سلسلة غير منقطعة من التظهيرات ولو كان آخرها على بياض .
2 – مكان الوفاء : Le lieu du payment
يجب أن تدفع السفتجة في المكان المعين فيها فإذا لم تتضمن ذكرا المكان الوفاء أعتبر المكان الذي يجانب اسم المسحوب عليه مكانا للدفع وموطنا للمسحوب عليه في الوقت نفيه .
فلا يحق للمسحوب عليه أن يؤدي قيمة الورقة عند استحقاقها بإرسال حوالة بريدية إلى موطن الحامل ، إذا تضمنت ذكرا المكان الوفاء يختلف عن هذا المواطن . وللحامل في هذه الحالة أن يرفض الحوالة وأن يقوم بتنظيم احتجاج بعدم الدفع .
وإذا تضمنت السفتجة شرطا يفيد أدائها في موطن شخص أخر ، فإنه يجب على الحامل أن يطالب هذا الشخص بأدائها ، فإذا لم يفعل سقط حقه في الرجوع ( م 488 ) كما أنه يجب تقديم السفتجة إلى القابل بطريقة التدخل إذا اشتمال السند على توقيع مثل هذا الشخص الذي تعهد بالأداء .
3 – صحة الوفاء :
نصت الفقرة الثالثة من المادة 416 على أنه من يدفع الاستحقاق برئت ذمته . وحسب هذا النص فانه يجب على المسحوب عليه أو أي شخص آخر مكلف بالوفاء برئت دميته على الوجه الصحيح إلا إذا كان قد أرتكب غشا أو خطا جسيما ، وهو ملزما بإجراء التحري للتأكد من صحة التظهيرات ( راجع المادة : 416 )
رابعا : المعارضة في الوفاء
تنص المادة 419 ق.ت.ج » لا تقبل المعارضة في الوفاء إلا في الحالة ضياع السفتجة أو إفلاس حاملها « .
وفي هذا المبدأ الذي يقضى بمنع المعارضة ، ضمان الوفاء بالسفاتج ، ومنع المناورات التي قد يقوم بها المسحوب عليه بالاتفاق مع أحد دائني الحامل لتأخير دفع قيمة السفتجة بالاستحقاق ، كما أن الموقع ( المسحوب عليه القابل أو الساحب أو المظهر ) لا يمكنه أن يطالب بوضع سفتجة تحت الحجز ، بحجة أنه لم يكن فعلا مدينا للشخص الذي أكتتب السند لفائدته ، ولا يمكن أيضا لدائني الساحب أو أحد المظهرين ، ممارسة حجز ما للمدين لدي الغير . Saisie – arrêt
إستثناءات هذا المبدأ :
– حالة فقدان السفتجة : الضياع هو خروج السفتجة من حيازة حاملها دون إرادته و تشمل عبارة ضياع السفتجة الواردة في المادة 419 فقدان الورقة أو ضياعها أو سرقتها أو تلفها ، وفي هذه الحالة يمكن للحامل أن يعارض في الوفاء ، وذلك بإعلام المسحوب عليه ، ومنح له القانون عدة وسائل الاستيفاء قيمة الورقة ( راجع المواد : 420 إلى 422 ق.ت.ج )
ـ حالة إفلاس الحامل : إن استلام الحامل المفلس لمبلغ السفتجة فيه أضرار بدائنيه ، ولهذا فانه يجوز لوكيل التفليسة أن يقدم معارضة في الوفاء . تقع المعارضة هنا من طرف وكيل التفليسة المكلف بالمحافظة على حقوق المفلس لدى الغير و المطالبة بها واستيفائها.
2 people like this.
بحث قانوني عن النظرية الاساسية للشركات .
من المعلوم أن قدرات الإنسان محدودة مهما كبرت، فكانت الحاجة إلى ضم القدرات في مواجهة الأخطار، ثم في الأنشطة الاقتصادية، ويأخذ الاشتراك في واحد من صوره شكل الشركة، رغم اختلاف المسميات والآثار. وليست مشاركة الأشخاص في النشاط الاقتصادي وليدة العصر الحاضر، فهذه المشاركة موجودة عبر تاريخ الإنسانية، إذ عرفتها شريعة حمورابي التي ظهرت منذ الألف الثانية قبل الميلاد في بلاد الرافدين، فالمادة (100) من الشريعة المذكورة تنص على أنه ((إذا أعطى تاجر نقودا لبياع متجول وأرسله في رحلة (تجارية) والبياع المتجول قد تاجر بالنقود التي استودعت لديه فإذا واجه ربحا أينما ذهب فعليه أن يحسب الزيادة على النقود التي استلمها بعدد الأيام (التي قضاها في السفر) وعليه أن يدفعها لتاجره)). كذلك عرفت الشركة وهي من أهم صور المشاركة في الشريعتين اليونانية والرومانية بما يقترب من الشركة ذات الشخصية المعنوية، وقسم الفقهاء المسلمون الشركات التي أباحتها الشريعة الإسلامية التي كان العرب يعرفون بعض أنواعها، لما عرف عنهم من نشاط تجاري تقسيمات مختلفة كشركات العقد وشركات الملك، وشركات الأبدان (الصناع)، وشركات الوجوه (المفالس)، ولم تعرف الشريعة الإسلامية ولا الفقهاء المسلمون مبدأ استقلال الشركات عن الشركاء، إنما تتداخل أموال الشركة مع أموال الشركاء، وهي بذلك شركات أشخاص حسب التقسيم المعروف حاليا للشركات، ويجمع الفقه على أن الشركات برزت في القرون الوسطى والقرن الثاني عشر للميلاد على وجه التحديد وما يليه كوسيلة للالتفاف على تحريم الربا الذي فرضته الكنيسة على القروض، فلجأ المقرضون إلى المشاركة عن طريق شركات التوصية البسيطة في التجارة البحرية المحفوفة بالمخاطر. لكن الطفرة الكبرى في عالم الشركات ظهرت مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر ساعد في ذلك إضافة إلى فكرة الشخصية المعنوية واستقلال أموال الشركة عن أموال الشركاء، تحديد المسؤولية في الشركات المساهمة بمقدار المساهمة برأس المال، مما ساعد على تأسيس الشركات الكبرى في حينها، كشركة الهند الشرقية، والشركة الملكية لتجارة الرقيق في أفريقيا، وكانت هذه الشركات أداة للتوسع الاستعماري، مما دفع بعض المفكرين إلى الوقوف بوجه الشركات المساهمة باعتبارها أداة الاستعمار في السيطرة على ثروات الشعوب.
إلا أن الشركات ازدادت توسعا حتى أنها تغلغلت في جميع ميادين الحياة، بما يمكن القول بلا تردد أن عصرنا الحاضر إضافة إلى ما يمكن أن يطلق عليه بعصر الاتصالات، أو عصر الإنترنت أو عصر المعلوماتية، فانه يمكن أن يطلق عليه أيضا بعصر الشركات، فالجامعات والمستشفيات والأندية الرياضية، والأسلحة، وتدريب الجيوش والإعلام تديرها الشركات، ولذلك تبرز الضرورة إلى ضبط نشاط الشركات، وبخاصة المساهمة في تأسيسها وفي عملها لكي لا تتحول إلى أداة للاستغلال. إذن ماهي الأحكام العامة للشركات..؟ هذا السؤال يطرح مبحثا مهما للغاية، للإجابة عليه يتطلع هذا البحث إلى تقديم إجابات محددة وبسيطة، استنادا بالدرجة الأولى ببعض المراجع العربية المتوفرة عن هذا الموضوع ومن خلال الإرشادات داخل الحصة من طرف الأستاذ، وبالنسبة لعناصر البحث فقد قمنا بتقسيمها إلى ثلاث مباحث موضحة في خطة البحث..
مـقـدمــــــة.
المـبحث الأول: التعريف بالشركة وأركانها.
المطلب الأول: الأركان الموضوعية العامة.
المطلب الثاني: الأركان الموضوعية الخاصة.
المطلب الثالث: الأركان الشكلية.
المطلب الرابع: الجزاءات المترتبة عن تخلف ركن من الأركان.
المـبحث الثاني: الشخصية المعنوية للشركة.
المطلب الأول: بداية الشخصية المعنوية.
المطلب الثاني: نهاية الشخصية المعنوية.
المطلب الثالث: الآثار المترتبة على الشخصية المعنوية.
المـبحث الثالث: حل الشركة وانقضاءها.
المطلب الأول: الأسباب العامة لانقضاء الشركات.
المطلب الثاني: الأسباب الإرادية لانقضاء الشركات.
المطلب الثالث: الأسباب غير الإرادية لانقضاء الشركات.
خــــــاتمة.
المبحث الأول
التعريف بالشركـة وأركانهـا
الشركة هي مجموعة من التجمعات التي يحكمها نظام خاص بها وهي اختصار لجهود وأموال تهدف لتحقيق مشروع واحد وهي تحتوي على عدد من الشركاء، فعرفت المادة 416 من القانون المدني الجزائري الشركة بأنها : (( الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو اعتباريان أو أكثر على المساهمة في نشاط مشترك بتقديم حصة من عمل أو مال أو نقد، بهدف اقتسام الربح الذي قد ينتج أو تحقيق اقتصاد أو بلوغ هدف اقتصادي ذي منفعة مشتركة)). ومن هذه المادة نستخلص أن الشركة تكون مكونة من شخصين على الأقل في مشروع مالي واتفاق ينصب في مشروع مالي فالشركة المدنية لا تقود إلى ربح عكس الشركة التجارية وتوزيع الأرباح يكون بين الأشخاص المؤسسين لها وفرضية الربح والخسارة محسوبة من الجهتين والشركة في ذمتها المالية تكون مختلفة عن الذمم المالية لمشكليها هذا في حالة الإفلاس إلى جانب الذمة المالية هناك كائن قانوني جديد وهو الشخصية المعنوية للشركة واسمها وموطنها الذي يسمح لها بالمثول أمام القضاء مدعية أو مدعى عليها، إذن فالمشرع الجزائري عرف الشركة في المواد من 416 إلى 449 من القانون المدني الجزائري حيث تناول فيها الأركان العامة وأركان الشركة وإدارتها وآثارها وانقضائها وتطرق إلى موضوع الشركات بالتفصيل في المواد من 544 إلى 840 فتناول شركة التضامن، شركة ذات مسؤولية محدودة، شركة المساهمة، شركة المحاصة، شركة التوصية البسيطة، شركة التوصية بالمساهمة، شركة الفرد.
ولم تورد بعض التشريعات الخاصة بالشركات تعريفا للشركة، معولة على التعريف ضمن القواعد العامة في القانون المدني، وهذا التعريف يتحلل إلى أركان وهي:
المطلب الأول: الأركان الموضوعية العامة لعقد الشركة.
لاحظنا أن التعريف يبدأ بعبارة ((الشركة عقد)) وكأي عقد آخر فانه يتطلب أركانا معينة لانعقاده وهذا ما يقتضي التوقف عند هذه الأركان، ثم بيان ما يتميز به عقد الشركة عن غيره من العقود ثم تلي ذلك مناقشة أهمية العقد في تكوين الشركة وحياتها.
يبنى عقد الشركة كغيره من العقود على الأركان المطلوبة لانعقادها وهي الرضا، والمحل، والسبب.
1 ـ الرضـــــا:
لا ينعقد عقد الشركة بغير رضا أطرافه، وإذا كان التعبير عن الرضا بالطريقة التي بينها القانون، دليل وجوده، فيشترط في هذا الرضا أن يكون صحيحا وتأتي الصحة في صدوره من كامل الأهلية، وخلو الرضا من عيوب الإرادة وهي حسب القانون الجزائري (الإكراه، الغلط، التدليس، الاستغلال) كذلك يقتضي أن يقع الرضا على كافة بنود العقد.
ويكون الرضا صادرا عن ذي أهلية عندما يقع من شخص أكمل التاسعة عشر من العمر بغير عارض من عوارض الأهلية ينقصها أو يعدمها (م40 من القانون المدني)، أما غير ذلك من الأشخاص فأما أن يكون معدوم الأهلية: (م42 ق.م) وهو من لم يكمل الثالثة عشرة من العمر ويلحقه المجنون فتصرفاته باطلة ولا تلحقها الإجازة من الولي، ولكن يجوز للولي أو الوصي استثمار أموال معدوم الأهلية في شراء أسهم الشركات، والنوع الآخر من الأشخاص ناقص الأهلية: (م43 ق.م) وهو من أكمل الثالثة عشرة لكن لم يتم التاسعة عشرة من العمر، ويلحق بذلك المصاب بعارض عقلي غير الجنون (السفيه وذو الغفلة). فلا يصح اشتراك هؤلاء في الشركات التي تؤدي المشاركة فيها اكتساب صفة تاجر، كذلك لا يحق لهم أن يكونوا مؤسسين في شركة مساهمة لأن مسؤولية المؤسسين تجاه المكتتبين تتجاوز حدود المشاركة برأس المال، فلم يتبق إلا نوع واحد من أنواع الشركات، هي الشركات المحدودة، والمشاركة في مثل هذه الشركات يعد من الأعمال الدائرة بين النفع والضرر، ويكون صحيحا، لكنه موقوف على إجازة الولي بعد أن يكمل الثامنة عشرة من العمر، ولا نرى ما يحول دون المشاركة بهذه الشركات على أن تقترن المشاركة بإجازة الولي أو الوصي، خاصة أن المسؤولية بمقدار المشاركة برأس المال وأنه يشترك مع أشخاص على معرفة بحاله لأن هذه الشركات من الشركات العائلية عادة.
النوع الأخير من الأشخاص هو القاصر المأذون له بالتجارة وهم من بلغوا 18 عاما ويؤذن لهم بمباشرة التجارة طبقا للقانون، لأن المأذون يعامل كأنه كامل الأهلية، وإذا قيل بأن الإذن على سبيل التجربة فلم لا تكون التجربة بتأسيس الشركات، حيث يشترك في الاتجار مع غيره بدلا من أن يكون منفردا في تجاربه.
وقد حسمت بعض التشريعات المشاركة في شركات الأشخاص، فاشترطت أن يكون متمتعا بالأهلية القانونية، فالمادة (9/5) من قانون الشركات الأردني تنص على أنه ((لا يقبل أي شخص شريكا في شركة التضامن إلا إذا كان قد أكمل الثامنة عشرة من عمره على الأقل))، وم28 من قانون الشركات اليمني.
2 ـ المحـــــل:
نتناول المحل على أنه ركن في العقد كما جرى عليه الفقه، ويتوزع المحل بين اتجاهين، اتجاه يرى المحل في الحصة التي يقدمها الشريك، واتجاه آخر يراه في غرض الشركة، ونذهب مع الاتجاه الأخير في كون المحل في عقد الشركة يتمثل بالنشاط الذي تزاوله، أما القول في كونه حصة الشريك، فيؤدي إلى تنوع المحل حسب نوع الحصة في الوقت الذي يفترض أن يكون موحدا في العقد الواحد. ويشترط في المحل أن يكون ممكنا ومعينا ومشروعا، وانعدام أحد هذه الشروط يؤدي إلى بطلان العقد، كالتعاقد على المستحيل، أو على ما يحرمه القانون.
3 ـ السـبــب:
يجب أن يكون للعقد سبب صحيح، فإذا كان العقد بلا سبب أو لسبب غير مشروع بطل العقد، ويفترض القانون وجود السبب عند عدم ذكره، كما يفترض مشروعيته، ومن يدعي خلاف ذلك مطلوب منه الإثبات(1).
المطلب الثاني: الأركان الموضوعية الخاصة لعقد الشركة.
1 ـ اشتراك أكثر من شخـص: من الشروط اللازمة لتكوين الشركة اشتراك أكثر من شخص، كما هو واضح من تعريف الشركة في المادة 416 من القانون المدني: (( الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو اعتباريان أو أكثر…)) فالحد الأدنى شخصين، لأنه لا يمكن إنشاء عقد بغير هذا العدد، بينما تشترط المادة 592 من القانون التجاري الجزائري بأن لا يقل عدد الشركاء في شركة المساهمة عن سبعة دون ذكر الحد الأقصى، أما المادة 590 من نفس القانون اشترطت أن لا يزيد عدد الشركاء فيها عن 20 في الشركة ذات المسؤولية المحدودة دون ذكر الحد الأدنى.
2 ـ تقديم حصة من مـال أو عمـل:
لا تستطيع الشركة النهوض بأعبائها بغير رأس مال يكفي لمواجهة هذه الأعباء، ويتكون رأس المال من الحصص التي يقدمها الشركاء، ولا يكون شريكا في الشركة من لا يقدم حصة في رأس المال. ويمثل رأس المال الضمان لدائني الشركة، إضافة إلى ما لدى الشركة من موجودات ويقدر رأس المال بالنقود، أيا كانت الحصص التي قدمها الشركاء. هذا ما بينته المادة 420 من القانون المدني الجزائري التي قسمت الحصص إلى 04 أنواع وهي:
أ- الحصة النقدية: وهو تعهد الشريك بتقديم مبلغ من النقود يدفعه في الوقت المتفق عليه، فقد يدفع نصفه الآن وعند العقد يدفع الباقي وقد يكون المبلغ بالعملة الوطنية أو بالعملة الصعبة أو مناصفة.
ب- الحصص العينية: إلى جانب الحصص النقدية قد يقدم الشريك حصص عينية متمثلة في عقار أو منقول والعقار مثل: قطعة أرض، مصنع والمنقول مثل: المعدات والأدوات وقد يكون المنقول معنوي مثل دين لشريك في ذمة الغير أو أوراق مالية تجارية أو علامة تجارية أو براءة اختراع والحصص العينية تقدم لشركة لتملكها أو الاستفادة منها.
ج- الحصة بالعمل: يجوز لشريك تقديم عمله كحصة والعمل الفني هو محل الاعتبار كعمل المهندس أو الخبراء والعمل التافه لا يعتبر صاحبه شريك بل عامل فقط ولا يجوز لشريك في العمل أن يمارس نفس العمل لحسابه الخاص وهذا بسبب المنافسة الغير مشروعة.
د- الحصة بالثقة التجارية: يمكن الاعتداد بها لان الثقة التجارية لها قيمة مالية مثل الاسم التجاري فالتاجر المعروف والمشهور يضمن ديون الشركة لكن لا يجوز له تقديم النفوذ السياسي فقط لأن استغلال النفوذ يخالف المبدأ العام و رأس المال يجب أن يحتفظ به ولا يجوز توزيعه إلا بناء على اتفاق الشركاء والنفوذ وحده لا يكفي بل يجب تقديم المال.
3 ـ اقتسام الأربـــاح والخســـائر: الفرق بين الشركة والجمعية هو الهدف إلى تحقيق ربح مادي بالإضافة إلى الشهر والعقد التأسيسي مثل الجمعية التعاضدية والأشخاص أحرار في تقسيم الأرباح والخسائر فيما بينهم بشرط أن لا يكون نصيبا تافه أو صوري والملاحظ أنه هناك شرط الأسد في بعض الشركات والشركاء هو تمكين احد الشركاء من الأرباح أو نسبة منها وإعفاء الآخرين من الخسائر فهناك من يقول ببطلان الشرط وهناك من يقول ببطلان عقد الشركة وشرط الأسد هو أمر ضمني على مخالفة نية اقتسام الأرباح والخسائر الذي هو ركن جوهري وخاص من أركان الشركة.
4 ـ وجود نيـــة الاشتراك: القاعدة العامة في القانون لا يعتد إلا بالملموس ولا وجود لنوايا لكن الشركة تأخذ استثناء ويجب أن تعزز الأركان الأخرى بنية الاشتراك ومعناه انصراف إرادة الأطراف إلى التعاون الايجابي لتحقيق غرض الشركة وقبول المخاطر والتعامل الايجابي هو تعامل في الشركة والسلبي هو الامتناع والايجابي يكون على قدم لتحقيق غرض الشركة والمساهمة لا يشترط أن تتساوى في الحصص بل في النية وهذا الركن واضح حيث يجب أن يدير الأشخاص مصالح الشركة كما لو كانت مصالحهم الخاصة وهذا ما هو واضح في شركة الأشخاص والمديرين هنا يعتبرون مساهمون والتساوي في الركن ليس أن يكون لشركاء مصالح مالية متساوية بل التساوي في النية ونية الاشتراك هي ما تميز عقد الشركة عن العقود الأخرى كعقد بيع المحل التجاري، القرض، العمل.
المطلب الثالث: الأركان الشكلية لعقد الشركة.
1 – كتابة العقد كتابة رسمية: يجب أن يكون العقد الخاص بالشركة مكتوب كتابة رسمية وهذا ما بينه المادة 418 الفقرة 2 من القانون المدني الجزائري ومن هنا نستنتج أن الكتابة مهمة في عقد الشركة وإلا كان العقد باطل بطلان مطلق وهذا ما بينته المادة 545 الفقرة 1 من القانون التجاري الجزائري.
2 – نشر عقد الشركة: الشركة تخضع لإجراءات الشهر وجوبا وهذا لإعلام الغير وللشهر أهمية كبرى تتمثل في إثبات وجود الشركة والاحتجاج بها في مواجهة الغير وهذا ما بينته المادة 417 من القانون المدني الجزائري.
3- إثبات الشركة: يقتضي وجود الشركة الكتابة ومشرعنا اعتبر الكتابة ركن لا شرط والشركة يجب أن تكون مشمولة بالكتابة إلا من أعفي منها بنص صريح في المادة 795 مكرر من القانون التجاري الجزائري مثل شركة المحاصة، والمشرع اشترط الكتابة حتى يفكر الشركاء قبل إقدامهم على تأسيسها لما ينطوي من مخاطر كنظام الإفلاس ووجود سند كتابي يقلل من المنازعات والكتابة رسمية حيث عقد الشركة يتضمن الكثير من التفاصيل والكتابة ليست موضوعة لصالح الشركاء فقط بل موضوعة أيضا لحماية مصلحة الغير. وفي الكتابة ينبغي أن تحدد الطبيعة القانونية كشركة المساهمة أو التضامن……. بالإضافة إلى مضمونها ومدتها وأعمالها أسماء الشركاء وتوزيع الأرباح والخسائر……..
حيث هناك من يقول أن الكتابة شرط لإثبات وهناك من يقول أنها ركن للانعقاد حيث أن شرط الكتابة كما هو الحال في الشركة الفعلية فمشرعنا اعتبر الكتابة ركن للانعقاد وهذا ما بينته المادة 418 من القانون المدني الجزائري بالإضافة إلى اعتباره شرط للإثبات وهذا ما بينته المادة 545 من القانون التجاري الجزائري وشرط الكتابة مفروض على الشركاء لإثبات فيما بينهم وقبل الشهر يجب الكتابة والإثبات بالنسبة للغير هو حر طليق وهذا ما بينته المادة 333 من القانون المدني الجزائري حيث أن العبرة بالواقعة المادية(1).
المطلب الرابع: الجزاءات المترتبة عن تخلف ركن من الأركان.
البطلان هو تخلف أحد الأركان الموضوعية أو الشكلية ويكون البطلان إما نسبي أو مطلق
– حالات البطلان المطلق: وهو انعدام الرضا أو كان محل الشركة غر مشروع أو كانت الشركة تشتمل على شرط الأسد هنا يكون العقد باطل وجاز لكل ذي مصلحة سوى كان الشركاء أو الغير أن يتمسك بالبطلان والمحكمة تقضي به من تلقاء نفسها.
– حالات البطلان النسبي: ويكون إذا كان أحد الشركاء ناقص الأهلية وقت العقد أو شابه عيب ولا يجوز التمسك بالبطلان إلا من شرع لمصلحته على أن يزول هذا الحق بإبطال العقد بالإجازة أو التقادم وإذا صدر الحكم بالإبطال الشريك الذي فسد رضاه يسترد حقه ويسترد ما قد يكون جناه أما إذا لم يشهر عقد الشركة كان العقد باطل بطلان مطلق ولكن يمكن تصحيحه بإجراءات الشهر وهذا ما رأيناه في الشركة الفعلية وأثر البطلان في عقد الشركة سوى كان بطلان نسبي أو مطلق فالقاعدة العامة تقضي بإعادة حالة الشركاء إلى ما كان عليه قبل العقد أي الأثر الرجعي وبذلك تعد العقود المبرمة بما رتبته من مراكز قانونية من حيث المديونية صحيحة ومن حيث توزيع الأرباح والخسائر.
– الجزاء الخاص المتعلق بتخلف ركن موضوعي لشركة:
-1 البطلان الناجم عن عدم اكتمال النصاب القانوني لشركاء: إن عدد الشركاء على الأقل 2 أما في شركة ذات مسؤولية محدودة لا يزيد العدد عن 20 وشركة المساهمة لا يقل عن 7 وبعض الفقه يقول أن شركة الشخص الواحد باطلة لكن الفقه الجزائري أصبح يقر مثل هذه الشركات تحت اسم مؤسسة الرجل الفرد حيث نجد أن في شركة ذات مسؤولية محدودة إذا زاد عددهم عن 20 يجب تحويلها إلى شركة مساهمة في اجل سنة معناه أن البطلان هنا نسبي لكن بالنسبة لشركة المساهمة إذا قل عددهم عن 7 تكون باطلة لكن يجوز لشركاء تحويلها إلى شركة تضامن.
-2 البطلان الناجم عن عدم تقديم الحصص: يترتب عن عدم تقديم الحصص بطلان الشركة لذا يجب التزام الشركاء بالحد الأدنى لرأسمال الشركة حسب كل نوع من الشركة فمثلا نجد أن رأس مال شركة المساهمة لا يقل عن 5 مليون دينار جزائري وشركة ذات مسؤولية محدودة 100.000 دينار جزائري.
-3 البطلان الناجم عن انتفاء نية اقتسام الأرباح والخسائر: يعتبر هذا الشرط من الأركان الموضوعية الخاصة فإذا انتفى تكون الشركة باطلة بطلان مطلق وهذا ما بينته المادة 426 من القانون المدني الجزائري.
–4البطلان الناجم عن تخلف ركن من الأركان الشكلية: الفقه يرى أن البطلان خاص ونميزه في عناصر نجملها:
– يجوز للغير التمسك بالبطلان لعدم الكتابة حتى يتسنى له استرجاع دينه وإذا كان للغير مصلحة في إبقاء الشركة يجوز له التمسك بها والعمل على إثباتها بكافة الطرق.
– عدم جواز احتجاج الشركاء في مواجهة الغير عند انتفاء الكتابة فلا يمكن للدائن أن يستفيد من أخطائه وركن الشهر والكتابة يقصد به إضرار الغير.
– إذا كان البطلان مؤسس على عيب الرضا فإن العقد باطل بأثر رجعي وإذا كان البطلان مؤسس على عدم وجود الشهر فإننا بصدد بطلان يقوم إلى عدم وجود الشركة منذ يوم تكوينها معناه أن البطلان هو بطلان مطلق.
المبحث الثاني
الشخصيـة المعنويـة
إن تأسيس الشركة يعني ظهور كائن قانوني له استقلاله المالي والإداري عن الشركاء وعليه أن مصطلح الشركة ينصرف فضلا عن العقد، إلى كيان اقتصادي ظهر بإجراءات تطلبتها القوانين، يتمتع بشخصية تصورية تتمتع بالحقوق وتفرض عليها الواجبات بما يشبه إلى حد كبير الأشخاص الطبيعية. ويؤدي هذا التصور إلى استقلال الشخص المعنوي، بحيث تصبح العقود والأموال بمجرد تأسيس الشركة عائدة لها وليس للأشخاص الموقعين على عقد تأسيسها.
المطلب الأول: بداية الشخصية المعنوية للشركة.
القاعدة التي قررها القانون هي بدء الشخصية المعنوية للشركة بمجرد تكوينها وفقا لما قرره القانون (شركة المحاصة هي الشركة الوحيدة التي ليس لها شخصية معنوية لأنها تتسم بالاستتار ولا تنتج آثارها إلا بين شركائها ولا وجود لها بالنسبة للغير)، ويتم تأسيس شركات الأشخاص بمجرد موافقة المتعاقدين على تأسيسها وعلى سائر البنود المدرجة في عقد تأسيس الشركة. أما شركات الأموال فيتم تأسيسها منذ استيفاء إجراءات التأسيس التي نص عليها القانون. وفيما يتعلق بالشركة ذات المسؤولية المحدودة فإنه لا يتم تأسيسها إلا إذا وزعت جميع الحصص النقدية في عقد تأسيس الشركة بين الشركاء ودفعت قيمتها كاملة. وبناءا على ما تقدم يمكننا القول بأنه لا يلزم لاكتساب الشخصية المعنوية اتخاذ إجراءات الشهر التي ينص عليها المشرع في المادة 417 قانون مدني، لأن هذه الإجراءات قصد بها فقط إعلام الغير بوجود الشركة كشخص معنوي حتى يمكن الاحتجاج عليه بوجودها ولعل خير دليل على صحة هذا القول نص الفقرة 02 من نفس المادة التي تقرر للغير التمسك بالشخصية المعنوية للشركة.
المطلب الثاني: نهاية الشخصية المعنوية للشركة.
الأصل أن الشخصية المعنوية للشركة تظل قائمة بوجود الشركة وتنتهي بحل الشركة وانقضائها، ومع ذلك فقد نص المشرع على أن شخصية الشركة تبقى مستمرة إلى أن تنتهي التصفية طبقا لنص المادة 444 من القانون المدني ومفاد هذا النص أن انقضاء الشركة لا ينهي الشخصية المعنوية للشركة التي تظل قائمة طوال فترة التصفية. وهذا النص منطقي لأن إجراءات التصفية تستلزم القيام بالعديد من التصرفات القانونية باسم الشركة فكيف يمكن القيام بهذه التصرفات دون أن تكون الشخصية المعنوية للشركة قائمة؟ هذا فضلا عن أن بقاء شخصية الشركة يحول دون ملكية الشركاء على الشيوع لأموال الشركة أثناء مدة التصفية وبالتالي يحول دون مزاحمة دائني الشركاء الشخصيين لدائني الشركة في التنفيذ على الأموال(1).
المطلب الثالث: الآثار المترتبة على الشخصية المعنوية.
ويستمر الشخص في العمل حتى أن خروج الشركاء من الشركة، أو موت أعضاء مجلس الإدارة فيها، فلا يؤدي ذلك إلى انتهاء الشركة تلقائيا، فالآثار القانونية لاكتساب الشركة الشخصية المعنوية هي:
1ـ اسم الشركة: ما دامت الشركة شخصا، فيفترض أن يكون لها اسم يميزها عن غيرها من الأشخاص ويتكون اسم الشركة من عناصر ثلاثة:
الأول: ـ نوع الشركة حيث يجب أن يتضمن اسمها ما هو نوعها لكي يعلم من يتعامل مع الشركة طبيعة الشركة التي يمكن معرفته من نوعها. والعنصر الثاني للاسم هو النشاط كالنقل والتأمين والسياحة. أما العنصر الثالث للاسم فيختلف في شركات الأشخاص عنه في شركات الأموال. فلأهمية الاعتبار الشخصي في الأولى، يذكر اسم الشركاء أو بعضهم في الاسم. أما في شركات الأموال حيث يغيب الاعتبار الشخصي فيضاف اسم مبتكر.
2ـ الجنسية: تقتضي الاعتبارات العملية، واعتبارات الرقابة على الشركة أن يكون لها جنسية. ويتبنى الفقه معايير مختلفة لتحديد جنسية الشركة، فقد يرتبط الأمر بمكان نشاط الشركة، أي أن الشركة تأخذ جنسية الدولة التي تعمل على أراضيها، بينما يذهب معيار آخر إلى اعتماد مكان وجود المقر الرئيسي للشركة، حيث تأخذ جنسية دولة المقر. ومعيار ثالث يتبنى جنسية الشركاء، أو جنسية رأس المال، لكننا نرجح المعيار الذي يكسب الشركة جنسية الدولة التي ظهرت الشركة للوجود بموجب قوانينها، لأن الشركة شخص، ويحتاج الشخص إلى ولادة، وولادة الشركة شهادة تأسيسها، وعليه فأن جنسيتها هي جنسية الدولة التي ظهرت الشركة إلى النور بموجب قوانينها وبناء على ذلك فلا ترابط بين جنسية الشركة وجنسية الشركاء، إذ قد يكون الشركاء ممن لا يحملوا الجنسية الجزائرية ومع ذلك تكون الشركة جزائرية لأنها ظهرت بموجب القانون الجزائري.
3ـ الموطن: للشركة موطن، فالموطن كما عرفه القانون المدني هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة بصفة دائمة أو مؤقتة ويجوز أن يكون للشخص أكثر من موطن واحد، فالموطن هو محل الإقامة، أو محل النشاط، ويفيد الموطن كعنوان للتبليغ، أو المراسلات أو إقامة الدعاوى أو تحديد المحكمة المختصة بالإفلاس، وموطن الشركة حسب القانون التجاري الجزائري بينته المادة 547 (( يكون موطن الشركة في مركز الشركة ))، أو نقول أن الموطن حيث يوجد المركز الرئيس، وقد اعتمد الفقه هذا المعيار. والموطن هو المكان الذي توجد فيه الأجهزة التي تدير الشركة، حيث تباشر نشاطها فيه. وإذا كان الأصل أن يكون المقر الرئيس في مكان نشاط الشركة فلا ضرورة لهذا التطابق، حيث قد يكون نشاط الشركة في مكان أو أماكن. ومقر أو موطن الشركة في مكان آخر.
4ـ الذمة المالية المستقلة: من أهم النتائج المترتبة على اكتساب الشركة الشخصية المعنوية، أن يكون لها ذمة مالية مستقلة عن الذمم المالية للشركاء، فالشركة كونها شخصا قانونيا لا يمكن أن تفي بالتزاماتها وتقوم بأنشطتها بغير أن تكون لها ذمة مالية، ويبنى على أن للشركة ذمة مالية مستقلة أن:
أ – أموال الشركة ملك للشركة، ولا تعد مالا شائعا بين الشركاء، لأن الشيوع ينقضي بإرادة أي من المشاعين، بينما لا يستطيع الشريك في الشركة أن يستعيد الحصة التي اشترك فيها برأس المال. لأن ما يدفع من الحصص يصبح ملكا للشركة في الغالب وليس للشركاء إلا حق احتمالي في الأرباح، وحصة تتناسب مع ما قدمه عند تصفية الشركة، وهذا الحق هو مال منقول دائما حتى لو كان ما قدمه الشريك عقارا.
ب – أموال الشركة ضمان لدائنيها، ليس بمقدور دائني الشركاء الحجز عليها اعتمادا على أن للشريك المدين حصة في رأس المال. ويختلف الأمر في شركات الأموال عنه في شركات الأشخاص. لأنه في الأولى يجوز الحجز على الأسهم وعرضها للبيع لأن رأس المال يظل ثابتا، وما يتبدل هو المالك للأسهم ولا أهمية لتبدل الشريك في هذه الشركات لأنها مغفلة، أما في شركات الأشخاص حيث يبرز الاعتبار الشخصي، فلا يجوز الحجز على حصة الشريك
لأن الحجز معناه أن يتبعه البيع في الغالب وهو ما يؤدي إلى أن يحل شخص محل آخر في ملكية الحصة، وفي ذلك تغيير لعقد الشركة ويمكن أن يكون سبب في انحلالها.
جـ – لا تجري المقاصة بين دين الشركة وديون الشركاء، فلو كانت الشركة دائنة لشخص أجنبي، وأصبح هذا الشخص دائنا لأحد الشركاء، لا تجري المقاصة بين الدينين، لأن المقاصة تقع عندما يوجد شخصان كلاهما دائن ومدين للأخر في وقت واحد، فيسقط أقل الدينين من الطرفين أما بالاتفاق أو بقوة القانون حسب توافر شروط تطلبها القانون.
د – العلاقة بين إفلاس الشركة وإفلاس الشركاء: لا يتبع إفلاس الشركاء بالضرورة إفلاس الشركة، أو يتبع إفلاس الشركة إفلاس الشركاء، لأن لكل من الشركاء والشركة شخصيته وأمواله المستقلة.
5ـ الأهليــة: تتمتع الشركة عند اكتسابها الشخصية المعنوية بالأهلية، لأنها تصبح شخصا له ما للأشخاص الطبيعيين. والأهلية المقصودة هي الأهلية بنوعيها. أهلية الوجوب، وهي أن يفرض على الشركة واجبات وتكون لها حقوق والشركة تستطيع أن تتملك وان تقبل الهبات، كما تفرض عليها الواجبات القانونية كفرض الضرائب، يستثنى من ذلك الحقوق والواجبات المرتبطة بالإنسان، كالحقوق السياسية وواجبات الأسرة، أما الأهلية الأخرى فهي أهلية الأداء، أي قدرة الشركة على الدخول في روابط قانونية وبغير توافر هذه الأهلية لا تستطيع الشركة ممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها، فهي بحاجة إلى أن تبيع وتشتري وتؤجر وترهن وتؤمن وغير ذلك من الأنشطة. كأن تقيم الدعاوى على الآخرين، وأن تكون طرفا في الخصومات كمدع عليها، ولكن من يمارس هذه الأنشطة ليس شخص الشركة لأنه مفترض، إنما ينوب عنها من يمثلها كمديرها المفوض مثلا. ولابد أن نشير أيضا إلى أنه يمكن أن تعاقب الشركة. العقوبات المالية، أما العقوبات السالبة للحرية فلا يتصور إيقاعها على شخص الشركة، أنما يمكن أن تكون على الأشخاص الذين أدى فعلهم لفرض العقوبة.
المبحث الثالث
حل الشركـة وانقضائهـا
تضمن القانون المدني الجزائري أسبابا عامة لانقضاء الشركات، التي بينتها المادة 437 وما بعدها،
(( تنقضي الشركة بأحد الأسباب التالية وفق أحكام هذا القانون:
المطلب الأول: الأسباب العامة لانقضاء الشركة.
1- انقضاء المدة التي حددت للشركة: عند إبرام العقد يقوم الشركاء بتحديد ميعاد معين تنتهي في نهايته الشركة، فتنقضي الشركة بقوة القانون إذا انتهى الأجل المحدد لها بالعقد وقد نصت المادة 546 من القانون التجاري الجزائري بقولها (( يحدد شكل الشركة ومدتها التي لا يمكن أن تتجاوز 99 سنة..)). ومنه إذا استمرت الشركة بعد هذه المدة نكون أمام شركة جديدة وعقد تأسيس جديد لأن الأول انتهى بقوة القانون.
2- انتهاء العمل الذي أنشأت من أجله الشركة: تنقضي الشركة إذا ما تم تنفيذ العمل الذي هو الغرض من إنشاءها وبانتهاء الغرض الذي تأسست الشركة لأجله تنقضي الشركة بقوة القانون، وإذا استمرت بعد ذلك بنشاطها، فيعني استمرار شركة جديدة، انقضت السابقة وتأسست ثانية، ويرى الفقه انه بإمكان دائني الشركاء الاعتراض على عملية الامتداد ما لم يكن الحق في تمديد عمل الشركة والأغلبية المطلوبة للقرار مشروطا في عقدها الذي أعلن للجميع، نصت عليها المادة 437/2 من القانون المدني الجزائري (( إذا انقضت المدة المعينة أو تحققت الغاية التي أنشئت لأجلها ثم استمر الشركاء يقومون بعمل من نوع الأعمال التي تكونت من أجلها الشركة أمتد العقد سنة فسنة بالشروط ذاتها )).
2- الهلاك الكلي لأموالها أو بهلاك جزء كبير منها: بينتها المادة 438/1 من القانون المدني (( تنتهي الشركة بهلاك جميع مالها أو جزء كبير منه بحيث لا تبقى فائدة في استمرارها ))، بمعنى أنه لا يمكن تحقيق أهداف الشركة بما تبقى من مال.
3- موت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إعساره أو إفلاسه: المادة 439 من القانون المدني (( تنتهي الشركة بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو بإعساره أو بإفلاسه ))، وهذا العنصر خاص فقط بشركات الأشخاص حيث يكون لشخصية الشريك كل الاعتبار عند التعاقد فإذا تأثر هذا الاعتبار الشخصي للشريك سواء نتيجة للموت أو الحجر أو إعسار أو إفلاس انقضت الشركة، إلا أن المشرع الجزائري في الفقرة 2 من نفس المادة نص على أنه يجوز الاتفاق في حالة إذا مات أحد الشركاء أن تستمر الشركة.
4- انهيار ركن تعدد الشركاء: حدد المشرع أن الشركة يجب أن تكون بين شريكين على الأقل وعلى هذا الأساس إذا لم يحترم الشركاء النصاب القانوني للشركة تنقضي، مثلا في شركة ذات مسؤولية محدودة حدد المشرع عدد الشركاء بـ 20 وإذا زاد العدد يجب تحويلها إلى شركة مساهمة خلال سنة وإلا كانت باطلة م 590 قانون تجاري جزائري.
المطلب الثاني: الأسباب الإرادية لانقضاء الشركة.
1- انسحاب أحد الشركاء من الشركة: إذا كانت مدتها غير معينة بشرط أن يعلن الشريك المنسحب إرادته في الانسحاب إلى باقي الشركاء قبل حصوله طبقا للمادة 440 من القانون المدني الجزائري.
2- إجماع الشركاء على حل الشركة قبل حلول أجلها: المادة 440/2 من القانون المدني، وتجدر الإشارة هنا إلى أن إجماع الشركاء ضروري إلا إذا كان قد تم الاتفاق على غير ذلك كجواز حل الشركة بالأغلبية مثلا، ففي هذا الفرض تنحل الشركة بالأغلبية ولا تشترط الإجماع.
3- إدماج الشركة في شركة أخرى: تنقضي الشركة بناء على رغبة الشركاء قبل انتهاء ميعادها إذا ما قرر الشركاء إدماجها في شركة أخرى ويتم بطريقتين:
-الإدماج بطريق الضم: وبمقتضاه تندمج شركة في شركة أخرى قائمة بحيث تنقضي الشركة المندمجة نهائيا وتظل الشركة الدامجة هي القائمة والمتمتعة بشخصيتها المعنوية وتكون هي المسؤول عن كل التصرفات قبل الغير لأنه بالضم تنتقل أموال وحقوق والتزامات الشركة المندمجة فيها فتكون ذمة الشركة الدامجة هي الضامنة لكل الديون (شركات الأموال).
-الإدماج بطريق المزج: يتم المزج بصورة مزج عدة شركات لتنشأ شركة جديدة برأس مال الشركات المنضمة فتظهر شخصية معنوية جديدة تختلف عن شخصيات الشركات المنضمة وتصبح هي المسؤولة عن ديون جميع الشركات المندمجة (مثل الشركات القابضة).
المطلب الثالث: الأسباب غير الإرادية لانقضاء الشركة.
1- عدم وفاء أحد الشركاء بالتزامه: المادة 441 من القانون المدني الجزائري ((يجوز أن تحل الشركة بحكم قضائي بناء على طلب أحد الشركاء، لعدم وفاء شريك بما تعهد به أو بأي سبب آخر ليس هو من فعل الشركاء..)) كامتناعه عن تقديم حصته أو استحالة استمرارية شريك قدم حصة عمل (أصيب بمرض مزمن)، أو نشوب خلاف بين الشركاء يستحيل معه الاستمرار وللقاضي مطلق الحرية في تقدير الأسباب.
2- فصل الشريك: المادة 442 من القانون المدني الجزائري، لكل شريك الحق في أن يطلب من القضاء فصل أحد الشركاء لأن وجوده فيها يؤدي إلى عدم استمرارها (العقد التأسيسي للشركة).
3- خروج أحد الشركاء من الشركة ذات المدة المحددة: بحكم قضائي أجاز القانون لشريك في شركة محددة المدة أن يطلب من القضاء إخراجه منها للأسباب يراها معقولة وتراها المحكمة كذلك، فإذا حكمت المحكمة بذلك تنقضي الشركة ما لم يتفق الشركاء على خلاف ذلك (شركات الأشخاص).
4- خسارة ثلاثة أرباع رأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة: أعطى المشرع الحق لكل شريك ليتمكن من إبداء رأيه في موضوع الشركة وقرار مديرها على باقي الشركاء أن يطلب من القضاء حل الشركة وعليه إثبات ما يدعيه.
5- عدم توافر العدد اللازم لشركاء في شركات المساهمة: المادة 689 من القانون التجاري الجزائري، وهي حالة عدم توافر عدد لازم فيها بحيث يجوز لكل من له مصلحة اللجوء للقضاء.
من هذا العرض الموجز للنظرية العامة للشركة يمكننا التعليق بالآتي أن الشركة هي عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصة من مال أو من عمل، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو من خسارة، والشركة قد تكون شركة مدنية أو شركة تجارية، ويتم تصنيف الشركة وفقا للغرض الذي أنشأت من أجله، فإذا كان الغرض من الشركة مدنيا كالاستغلال الزراعي مثلا تعد الشركة مدنية أما إذا كان الغرض من الشركة تجاريا كعمليات الصرافة البنوك والشراء لأجل البيع والنقل..فإن الشركة تعتبر شركة تجارية تسري عليها الأحكام الواردة في القانون التجاري وليس الأحكام الواردة في القانون المدني التي تسري فقط على الشركات المدنية أما تكييف عقود الشركات فنجدها تكون عقد معاوضة عندما يدخل الشريك في الشركة بنسبة من المال أو النفوذ أو العمل فانه ينتظر مقابل ذلك الدخول، و في حالة دخول الشركاء إلى الشركة برضائهم فهو عقد رضائي ويأخذ مبدأ العقد شريعة المتعاقدين لكن هذه الفكرة ليست مطلقة حيث أن المشرع وضع لها حدود مثل شركة أموال فيها خليط من نظام اشتراكي ورأس مالي والشركة هدفها محدد ولا يمكن الحياد عنه وهذا العقد يعكس إرادة الأطراف المشكلين لها وتقيد حريتهم إذا دخلوا تحت غطاء عقد الشركة.
• قائمة الكتب:
حمدي، باشا عمر. القضاء التجاري. الجزائر: دار العلوم، 2000.
مصطفى، كمال طه. الوجيز في القانون التجاري. الإسكندرية: منشأة المعارف، 1977.
سوزان، علي حسين. الوجيز في القانون التجاري. الإسكندرية: منشأة المعارف، 2004.
علي،بن غانم. الوجيز في القانون التجاري وقانون الأعمال. الجزائر: موفم للنشر، 2005.
فوزي، محمد سامي. مبادئ القانون التجاري. الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2003.
• قائمة التقنينات:
القانون التجاري الجزائري، الطبعة الرابعة، 2005.
القانون المدني الجزائري، الطبعة الرابعة، 2005.
• قائمة المواقع الإلكترونية:
لطيف جبر، كوماني.”الشركات التجارية –دراسة قانونية مقارنة-“. http://www.ao-academy.org ، الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، 2006.
الموضوع الصفحة
مـقـدمـة…………………………………………………………………………………. 2
المبحث الأول
التعريف بالشركة وأركانها
الأركان الموضوعية العامة…………………………………………………………………. 4
الأركان الموضوعية الخاصة……………………………………………………………….. 5
الأركان الشكلية…………………………………………………………………………….. 6
الجزاءات المترتبة عن تخلف ركن من الأركان……………………………………………… 7
المبحث الثاني
الشخصية المعنوية للشركة
بدايةالشخصيةالمعنوية……………………………………………………………………….. 8
نهاية الشخصية المعنوية……………………………………………………………………… 9
الآثار المترتبة على الشخصية المعنوية……………………………………………………….. 9
المبحث الثاني
حل الشركة وانقضاءها
الأسباب العامة لانقضاء الشركات…………………………………………………………… 11
الأسباب الإرادية لانقضاء الشركات…………………………………………………………. 12
الأسباب غير الإرادية لانقضاء الشركات…………………………………………………….. 12
خـاتمـــــة…………………………………………………………………………… 14
المـراجـــع………………………………………………………………….. 15
اذا يتكلم هذا الموضوع عن
بحث عن اندماج الشركات
بحث عن شركة الشخص الواحد
الاندماج والإستحواذ في الشركات pdf
كيف يتم اندماج الشركات وماهي شروطها
أمثلة على اندماج الشركات
كيفية التقرير عن اندماج الشركات في القوائم المالية
1 person likes this.
بحث قانوني عم تحول العنوان التجاري لشركة أشخاص إلى اسم تجاري لشركة أموال .
المحامي المتدرب : وائل منير خلوي الشلّودي
الرقم النقابي : (16188)
إشراف المحامي الأستاذ
باسل يوسف داوود
قدم هذا البحث
استكمالا لمتطلبات التسجيل في سجل المحامين الأساتذة
في نقابة المحامين النظاميين الأردنيين
عمان
2010
هذه الصفحة كان فيها سورة (البقرة 032) لكن للأسف الخط المستخدم لإظهار كافة خصائص خط المصحف تعطلت لذا حذفت النص لأنه أصبح مشوها.
إلى كل من يقرأ بحث علمي
اتقي الله في نفسك فلا تنقله دون الإشارة لصاحبه، ولا تستخدمه دون أن تضيف إليه
إهداء
إلى أمي الغالية التي زرعت فيّ حب العلم
و إلى أبي الغالي قدوتي في الاجتهاد والعمل
و إلى زوجتي الغالية التي ساندتني في وقت شدتي
وإلى أستاذي العزيز باسل يوسف داوود
و إلى أسرة مكتب الهدى للمحاماة و الاستشارات القانونية
و المؤلف من المحامين الأساتذة
يوسف الشوابكة
هدى النصر
أحمد قطيشات
و الزميلة المتدربة دعاء أبو داري
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وآله وأصحابه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تعتبر الشركات وخاصة شركات الأموال من المواضيع التي تناولها المشرع في كافة دول العالم وأولاها العناية الفائقة ، حيث سن التشريعات والقوانين الخاصة لتنظيم أمور هذه الشركات ، وذلك لأهميتها البالغة في دعم الاقتصاد، والتقدم والازدهار والنمو، وكذلك لحماية الشركات من المنافسات غير المشروعة، وحماية المتعاملين مع الشركات لضمان استثماراتهم فيها.
تنبه المشرع الأردني لأهمية وجود تشريع خاص لتنظيم تسجيل الشركات وتنظيم أمور إدارتها وعملها ومتطلبات حسن سير عملها ، منذ أمد ليس بقريب، فاصدر قانون الشركات المؤقت رقم 33 لسنة 1962، ثم الغي هذا القانون بموجب القانون رقم 12 لسنة 1964، والغي أيضا هذا القانون بإصدار قانون الشركات وتعديلاته رقم 1 لسنة 1989، إلى أن اصدر المشرع قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 والذي ألغى ما سبقه من تشريعات ولا زال ساري المفعول ، ونتيجة للتطور الاقتصادي المضطرد والحاجة الماسة لمواكبة مثل هذه التطورات بسن التشريعات التي تتماشى معها فقد اتبع المشرع هذا القانون بعدة تعديلات كان آخرها القانون رقم 35 لسنة 2008 قانون معدل لقانون الشركات رقم 22 لسنة 1997.
ولأهمية الشركات و دورها الحيوي والفعال في نمو الاقتصاد ودفع عجلة النمو على كافة المستويات العلمية والصناعية والزراعية والاجتماعية ، فقد نظم المشرع تسجيل الشركات وكافة أمورها بمواد قانونية آمرة في أغلب الأحيان ، وقد تفاوت المشرع في أعطاء حرية واسعة لإرادة المتعاقدين في تنظيم بعض الأمور حيث قيدها في نواح وسلبها في نواح أخرى , مراعياً في ذلك مصلحة المتعاقدين من جهة ومصلحة الغير حسن النية والمصلحة العامة من جهة أخرى.
إن التطور المستمر وخاصة في المجال العلمي وما تبعه من تطور في المجالات الاقتصادية والتجارية , وتبدل أحوال الشركات وتغيرها حسب الظروف الاقتصادية و ما تقتضيه , أثمر بظهور وتطور شركات الأموال وأبرزها الشركة المساهمة العامة , لذا لا بد للتشريع من مواكبة هذه المستجدات , فبعض ما كان متوسعاً في إعطاء الصلاحيات له قد يصبح من الضروري تقيده , وبعض ما كان مقيداً أصبح لا بد من إزالة القيود عنه, حسب تبدل المصلحة.
تحتم المصلحة العامة مجارات هذه التغيرات، لما تجلبه من استثمارات تعود على البلد بالخير الوفير, لذا لابد للمشرع من إعادة النظر في الكثير من القيود, ومنها القيد الوارد على الاسم التجاري لشركات الأموال الذي لا يجوز أن يستمد من اسم شخص طبيعي, إذ انه لم يضع إلا استثناء وحيد، وهو أن يكون موضوع عمل الشركة براءة اختراع مسجلة بشكل قانوني باسم ذلك الشخص، إذ أن أكثر الشركات تبدأ كشركة أشخاص، وعند ازدهار تجارتها، تتوسع وتنشئ الفروع وتزيد أعداد موظفيها، وتبحث عن أسواق جديدة لتسوق منتجاتها أو خدماتها، و خاصة التوجه للتصدير، الذي يعد أكثر طريقة داعمة للاقتصاد، وبسبب هذا التوسع في نشاط الشركة قد يعجز رأس مالها عن تغطية حاجات الشركة، مما يجعلها بين أمرين أولهما الاقتراض بفوائد ربوية مما يزيد من تكاليف الإنتاج للشركة ويفوت نسبة لا بأس بها من العائد والأرباح، وثانيهما التحول إلى شركة أموال قادرة على استقطاب رؤوس الأموال الصغيرة والمدخرات للأشخاص ، مشجعه لهم لاستثمار أموالهم و تقاسم الأرباح ، دون أن يسهم ذلك في زيادة التكاليف في الإنتاج أو التزامات مالية تثقل كاهل الشركة .
قد يشتهر العنوان التجاري لشركة الأشخاص الراغبة بالتحول إلى شركة أموال ويصبح هذا العنوان متداولا بين الناس, مما يجعل لهذا العنوان التجاري قيمه تجارية كبيره قد تفوق قيمة موجودات الشركة أو الذمة المالية الشخصية للشركاء أنفسهم, فإذا أرادت هذه الشركة التحول إلى شركة مساهمة عامة ـ أي شركة أموال ـ فإنها ستفقد عنوانها التجاري حسب نص القانون, مما يلحق بها ضررا بالغا, لذا قامت بعض التشريعات بالتنبه لهذه النقطة ومعالجتها, وعليه سنبحث في موقف المشرع الأردني ودوافعه والتشريعات التي عالجت هذه المسألة، لنجد أفضل الحلول لمعالجة هذه الإشكالية، بما يكفل الوصول إلى الغاية من الحماية القانونية للمتعاقدين مع الشركة، والفائدة التجارية من استخدام العنوان التجاري لشركات الأشخاص كاسم تجاري لشركات الأموال وعلى رأسها شركات المساهمة العامة.
وسأبحث في إشكالية البحث من خلال ثلاث مباحث، ابدأها بمبحث تمهيدي بعنوان الشركات ، اشرح فيه أهمية الشركات و دورها في الاقتصاد و التنمية و التعرف عليها عن طريق مطلبين، المطلب الأول نعرف فيه الشركة ونذكر خصائصها، و الفكرة التي تقوم عليها الشركة، و في المطلب الثاني نستعرض أنواع الشركات التي وردت في قانون الشركات الأردني، والأشكال التي يمكن أن تتخذها الشركة وفق قانون الشركات الأردني .
وعن طريق المبحث الأول نعرف عنوان الشركة و نوضح أهميته، ونبين العنوان التجاري لشركات الأشخاص في المطلب الأول منه، و نبين الاسم التجاري وكيفية اختياره لشركات الأموال في المطلب الثاني، وذلك لنعلم الفرق بين العنوان التجاري و الاسم التجاري، وأهمية التفرقة بينهما ودلالة كل منهما.
وفي المبحث الثاني نتناول موقف التشريعات المختلفة من الاسم التجاري لشركات الأموال، وموقفها من إمكانية أن يحتوي اسم شركة الأموال أسم شخص طبيعي، ويتكون هذا المبحث من مطلبين، المطلب الأول نستعرض فيه مواقف المشرعين في الدول العربية المجاورة، و المطلب الثاني نتناول موقف المشرع الأردني بالشرح و التحليل.
إلى أن نصل للمبحث الثالث الذي فيه أناقش إمكانية استخدام شركة الأموال لاسم تجاري مستمد من أسم شخص طبيعي، عن طريق مطلبين المطلب الأول نبحث فيه عن المصلحة من استخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي لشركات لأموال، وفي المطلب الثاني نبحث في الشروط و القيود الواجب وضعها لاستخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي.
المبحث التمهيدي
الشركات
لغايات التطرق والتعريف بماهية الشركة أتناول في هذا المبحث بإيجاز التعريف بالشركات والفكرة التي قامت عليها ، وأهمية وجودها ، ودورها التجاري إضافة إلى أنواعها ، حيث لا يقتصر مزاولة التجارة على الأفراد ، بل تزاولها أيضا جماعات من الأشخاص في شكل قانوني وهو ما يعرف بالشركة التجارية. فبسبب سعة وتنوع المشاريع التجارية والصناعية التي لا يقوى الفرد الواحد على النهوض بها، لما تتطلبه من مجهودات عظيمة وأموال كثيرة تظافر الأشخاص وتوحيد جهودهم وأموالهم ليتسنى لهم القيام بالمشروعات الكبيرة التي يعجز الفرد عن القيام بها وحده. وقد زادت الحاجة إلى توحيد الجهود وتجميع الأموال بعد الثورة الصناعية، لما أصبحت تتطلبه المشروعات الكبيرة من طاقات مالية كبيرة وخبرات فنية متنوعة لا يقوى الأفراد متفرقين على القيام بها.(1)
ولا تقتصر أهمية الشركات على قدرتها على توحيد الجهود وتجميع الأموال اللازمة لاستغلال المشروعات الاقتصادية الكبرى، بل تحقق الشركة لهذه المشروعات استقرارا ودواما تعجز عنه طاقة الأفراد مهما وحدوا جهودهم وضموها.(2)
ونظرا لأهمية الدور الذي تقوم به الشركات وسيطرتها على الجانب الهام من النشاط الاقتصادي في كثير من الدول وتأثيرها بالتالي على مصالح المواطنين والاقتصاد الوطني، تدخل المشرع في كثير من الدول لتنظيم تأسيس الشركات ومراقبة نشاطها على النحو الذي يكفل حماية مصالح المواطنين والاقتصاد الوطني، حتى لا تصبح أداة للاستغلال الاجتماعي أو للسيطرة السياسية، لذلك يلاحقها المشرع بقوانينه ولوائحه وقراراته التي تكفل حماية مصالح المواطنين والاقتصاد الوطني وتضمن لها التقدم والازدهار في نطاق الخطة الاقتصادية التي تضعها الدولة، إذ تربط كثير من الدول بين خططها الاقتصادية لزيادة الدخل القومي ونشاط الشركات التجارية.(3)
__________________________________________
1، 2 ،3- عزيز العكيلي ، الشركات التجارية في القانون الأردني دراسة مقارنة مع قوانين الشركات في كل من العراق لبنان السعودية مصر ، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع ،1995 ، ص 5و6.
ولغايات البحث في ماهية الشركة وأنواعها اقسم هذا المبحث إلى مطلبين، لنعرف الشركة في المطلب الأول، ونبين أنواع الشركات، والأسس التي تقسم بناءا عليها في المطلب الثاني، وذلك لتوضيح الفرق بين كل فئة من الشركات، لتبسيط وتحليل المواد التي سنها المشرع التي تحكم كل فئة من هذه الشركات وذلك على النحو التالي :
المطلب الأول : تعريف الشركة .
المطلب الثاني : أنواع الشركات .
المطلب الأول
تعريف الشركة
لم يرد في قانون التجارة الأردني ولا في قانون الشركات تعريف للشركة وإنما جاء المشرع ليعرفها في القانون المدني، حيث نصت المادة (582) على:
” الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بان يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصته من مال أو من عمل لاستثمار ذلك المشروع واقتسام ما قد ينشأ عنه من ربح أو خسارة “.
وهذا النص يطابق ما جاء في المادة (505) من القانون المدني المصري والمادة (473) من القانون المدني السوري ويشابه التعريف الذي أورده القانون المدني العراقي في المادة (626), وجاء تعريف الشركة في مجلة الأحكام العدلية وهي شركة عقد في المادة (1329) بنصها على أن :
” شركة العقد عبارة عن عقد شركة بين اثنين أو أكثر على كون رأس المال و الربح مشتركا بينهم “. (1)
لكن جانب من الفقه الحديث ينكر على الشركة صبغتها التعاقدية، ويعتبرها بمثابة ((نظام)) أو ((تنظيم قانوني)) من خصائصه أنه يرتكز على عنصر الاستمرار والتنظيم بقصد تحقيق الغرض المشترك عن طريق إخضاع مصالح الأعضاء الخاصة للغايات التي ينشدها هذا التنظيم. وهذا التكييف هو الذي يوضح سبب عدم اعتبار مديري الشركة مجرد وكلاء عن الشركاء، والنظر إليهم باعتبارهم السلطة المكلفة قانونا بتحقيق الهدف المشترك الذي تقوم عليه الشركة، كشخص معنوي و كتنظيم قانوني.(2)
إن فكرتي العقد والنظام رغم الاختلاف بينهما، إلا أن جانب من الفقه ذهب إلى القول بأن هاتين الفكرتين تتعايشان معا داخل الشركة، غير أن تأثيرهما يختلف بحسب نوع هذه الأخيرة، ففي شركات الأشخاص يحتفظ المفهوم التعاقدي بسلطانه، و الدليل على ذلك يتمثل في أن تعديل العقد التأسيسي لهذا النوع من الشركات لا يكون إلا بإجماع الشركاء، وفي أن العيوب التي تشوب إرادة أحد الشركاء من شأنها أن تؤدي إلى إمكانية القضاء بإبطال الشركة.(3)
____________________________________________________
-1 فوزي محمد سامي، الشركات التجارية الأحكام العامة والخاصة ،دار الثقافة ،2006، ص 9.
2 و 3 – محمد فريد العريني و محمد السيد الفقي ، القانون التجاري الأعمال التجارية – التجار – الشركات التجارية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002 ، ص 245 و 246-247.
أما فيما يتعلق بشركات الأموال فإن المفهوم التعاقدي يتوارى، دون أن ينعدم، ليفسح الطريق أمام ((فكرة النظام)) حيث تتبوأ مكان الصدارة وتنفرد بالسيادة والسيطرة. ويبدو ذلك واضحا على وجه الخصوص في شركات المساهمة حيث النصوص القانونية الآمرة المقيدة لإرادة المتعاقدين عديدة، وحيث يمكن لأغلبية الشركاء فرض إرادتهم على الأقلية، حتى أصبح هذا النوع من الشركات ينشأ ويحيا (( وفقا لنظام موضوع لا وفقا لمشيئة المتعاقدين )). (1)
وقد أيد اغلب الفقهاء هذا الاتجاه من الرأي، وأنا أتفق مع هذا الرأي من الفقه وأؤيده ، وذلك لأنه يعترف للشركة بالفكرتين إلا انه يغلب فكرة العقد عندما يكون لشخصية الشريك اعتبار في الشركة، وبناءا عليه يكون لهم حرية اكبر في كتابة عقد الشركة، وكذلك لفكرة النظام التي غلبها في الشركات التي لا يكون لشخصية الشريك فيها الاعتبار الأكبر في تكوين الشركة، حيث أن المشرع تدخل في كل صغيرة وكبيرة لتنظيم أمور الشركة في كافة النواحي وبمواد آمرة لا يجوز مخالفتها على الأغلب، لذا فإن فكرة النظام لها الحظ الأوفر في هذا النوع من الشركات.
مما تقدم تظهر لنا أهمية تحديد أي فكرة تغلب على الشركة لمعرفة الهدف من القوانين التي سنها المشرع لتنظيم هذه الشركات، والمصالح التي حرص على حمايتها، حيث أننا نجد المشرع قد نظم الشركات التي يضعف فيها الروابط بين الشركاء بمواد آمرة تنظم معظم نواحي الشركة، بعكس الشركة التي تكون فيها روابط الشراكة قوية ومبنية على الثقة بين الشركاء والتعاون فيما بينهم.
______________________________________________________
1- محمد فريد العريني و محمد السيد الفقي ، القانون التجاري الأعمال التجارية – التجار – الشركات التجارية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002 ، ص 247.
المطلب الثاني
أنواع الشركات
الشركات نوعان، شركات مدنية وأخرى تجارية وفيصل التفرقة بينهما يكمن في الغرض الذي تستهدف الشركة تحقيقه. وعليه تلحق الشركة الصفة التجارية إذا كان الغرض الذي قامت من أجله تجاريا، أما إذا كان الغرض مدنيا فان الشركة تعتبر مدنية. ويعد الغرض تجاريا متى كان موضوع الشركة القيام بأعمال تجارية، كالشراء لأجل البيع، وعمليات الصرافة والبنوك، والنقل، والصناعة والضمان ذو الأقساط المحددة ..الخ(1)، وفق ما هو منصوص عليه في المواد من (6-8) من قانون التجارة الأردني. أما إذا كان موضوعها هو القيام بالأعمال المدنية، كالاستغلال الزراعي مثلا، فإنها تعد شركة مدنية.
وللتمييز بين الشركات التجارية والشركات المدنية أهمية لا تنكر، وتتجلى في الأمور الآتية:
أولا : تلتزم الشركات التجارية دون المدنية ، كأصل عام ، بالالتزامات المترتبة على اكتساب صفة التاجر كالقيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر التجارية.
ثانيا : يقتصر شهر الإفلاس على الشركات التجارية وحدها إذا توقفت عن دفع ديونها، ويجوز لها وحدها طلب الصلح الواقي من الإفلاس، أما الشركات المدنية فتخضع لنظام أقل قسوة هو نظام الإعسار.
ثالثا : لا يتطلب القانون إجراءات الشهر بالنسبة للشركات المدنية، على خلاف الحال بالنسبة للشركات التجارية، ماعدا شركة المحاصة والشركة الفعلية، حيث أن هذه الإجراءات واجبة وإلا تعرضت للبطلان.
رابعا : الأصل أن الشركاء في الشركات المدنية لا يسألون عن ديون الشركة مسئولية تضامنية ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك، لكنهم مسئولون عنها مسئولية شخصية. فإذا لم تف أموال الشركة بديونها، كان الشركاء مسؤولين عن هذه الديون في أموالهم الخاصة كل بنسبة نصيبه في خسائر الشركة. أما بالنسبة للشركات التجارية فالأمر يختلف بحسب نوع الشركة وبحسب مركز الشريك فيها.(2)
____________________________________________________________________________
1—2- محمد فريد العريني و محمد السيد الفقي ، القانون التجاري الأعمال التجارية – التجار – الشركات التجارية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002 ، ص 247- 249 .
إلا أن المشرع في قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 أوجد نوعا جديدا من الشركات، وهي الشركات التي لا تكون غاياتها تحقيق الربح وتتخذ أحد أشكال الشركات التي وردت أحكامها في القانون المذكور وتسجل في سجل خاص يسمى بسجل الشركات التي لا تهدف إلى الربح المادة (7/د)* من قانون الشركات .
والشركات التجارية تأخذ عدة أشكال، حدد قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 الأشكال التي يمكن أن تتخذها الشركات التجارية وهي شركة التضامن، وشركة التوصية البسيطة، وشركة المحاصة، وشركة المساهمة العامة والخاصة، وشركة التوصية بالأسهم، والشركة ذات المسؤولية المحدودة. وللشركاء الحق في اختيار شكل الشركة الذي يحقق مصالحهم ويمكنهم من ممارسة نوع النشاط الذي يرغبون بمزاولته ما لم يوجب المشرع أن تتخذ الشركة شكلا معينا لممارسة بعض الأعمال التجارية. فالمشرع الأردني – مثلا – لا يسمح لغير الشركات المساهمة بمزاولة أعمال التأمين وأعمال البنوك والشركات ذات الامتياز وذلك بمقتضى نص المادة (93)** من قانون الشركات. وهذه الأشكال التي حددها المشرع للشركات التجارية يمكن تقسيمها إلى ثلاث أقسام هي:(1)
أولا : شركات الأشخاص، تعرف بشكل عام بأنها شركات تتكون من عدد محدود من الشركاء يعرف كل منهم الآخر ويثق به، تربطهم – في الغالب – رابطة قربى أو صداقة أو مهنة، بمعنى أن هذه الشركات تقوم على أساس شخصية الشركاء والثقة المتبادلة بينهم، بحيث يترتب على زوال الاعتبار الشخصي بين الشركاء – كقاعدة عامة – انقضاء الشركة. وتضم هذه الشركات، شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة المحاصة.(2)
ثانيا : شركات الأموال، وهي التي لا يكون فيها لشخصية الشريك أي اعتبار، بحيث يستطيع كل شخص المساهمة في رأس مالها، وبمعنى أن
_____________________________________________________________________________________
1- 2 – عزيز العكيلي , شرح القانون التجاري الجزء الرابع في الشركات التجارية , دار العالمية الدولية ,2002 ، ص5-6.
* المادة (7/د) من قانون الشركات ” يجوز تسجيل شركات لا تهدف إلى تحقيق الربح وفق أي من الأنواع المنصوص عليها في هذا القانون في سجل خاص يسمى ( سجل الشركات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح ) وتحدد أحكامها وشروطها وغاياتها والأعمال التي يحق لها ممارسة والرقابة عليها وأسلوب وطريقة حصولها على المساعدات والتبرعات ومصادر تمويلها وأسلوب أنفاقها وتصفيتها وأيلولة أموالها عند التصفية والوفاة والبيانات التي يجب أن تقوم بتقديمها للمراقب وسائر الأمور المتعلقة بها بموجب نظام خاص يصدر لهذه الغاية .
**المادة (93) من قانون الشركات ” لا يجوز القيام بأي عمل من الأعمال التالية إلا من قبل شركات مساهمة عامة يتم تأسيسها وتسجيلها وفقاً لأحكام هذا القانون.
أ. أعمال البنوك والشركات المالية والتأمين بأنواعه المختلفة.
ب. الشركات ذات الإمتياز.”.
اهتمام الشركة يوجه إلى جمع رأس المال اللازم لها دون البحث في شخصية الشريك. والصورة المثلى لهذا الشكل من الشركات يتمثل في شركات المساهمة التي تؤسس لتنفيذ المشاريع الاقتصادية الكبرى، تجارية كانت أم صناعية، لقدرتها على تجميع الأموال التي تمكنها من تنفيذ هذه المشاريع وتحقيق الغرض الاقتصادي الذي قامت الشركة من أجله. ولا يؤثر على قيام الشركة أو استمرارها خروج أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إشهار إفلاسه كما هو الحال في شركات الأشخاص.(1)
ثالثا : الشركات ذات الطبيعة المختلطة، تحتل هذه الشركات مركزا وسطا بين شركات الأشخاص التي تقوم على الاعتبار الشخصي وشركات الأموال التي تقوم على الاعتبار المالي، فتأخذ من خصائص كل منهما بنصيب ومن ثم تكون لها طبيعة مختلطة كنتيجة لاجتماع الاعتبارين الشخصي والمالي فيها، وتشمل شركة التوصية بالأسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة. وتعد شركة التوصية بالأسهم أوضح صورة للشركات ذات الطبيعة المختلطة التي تجمع بين خصائص شركات الأشخاص وخصائص شركات الأموال بحكم احتوائها على فريقين من الشركاء، شركاء متضامنين في ذات المركز القانوني للشركاء المتضامنين في شركات الأشخاص، وشركاء موصين في ذات المركز القانوني للمساهمين في شركات الأموال.(2)
وبناءا على ما تقدم، فالشركات أكثر من نوع وتأخذ أكثر من شكل، ونظرا لذلك تختلف المواد القانونية التي تحكم الشركة بناءا على النوع والشكل الذي تتخذه الشركة لممارسة نشاطها، ومن الأمور التي نظمها المشرع في قانون الشركات العنوان التجاري للشركة، في أكثر من مادة، وخصص لكل شركة مادة تحدد طريقة تعيين عنوان الشركة بناءا على نوع الشركة والشكل الذي اتخذته لممارسة نشاطها.
______________________________________________________
1-2- عزيز العكيلي , شرح القانون التجاري الجزء الرابع في الشركات التجارية , دار العالمية الدولية ,2002 ، ص6-7.
المبحث الأول
عنوان الشركة
لا بد من التأكيد ابتداءا على لزوم وأهمية الاسم للشركة، وهي أهمية عملية، إذ لا يمكن للشركة أن تتعامل على وجه الاستقلال إلا إذا كان لها اسم خاص تتعامل به، وضرورة قانونية، لان المشرع يستلزم أن يكون للشركة أسم.(1)
ومثلما يكون لكل فرد، أي شخص طبيعي، اسم يطلق عليه لتمييزه عن بقية الأفراد في المجتمع، يتألف عادة من اسمه الشخصي ولقب أسرته، وفق مقتضيات المادة (38)* من القانون المدني الأردني، فإنه ينبغي على كل تاجر أن يتخذ لنفسه ((اسماً)) معينا لتمييزه، بصفته هذه، عن بقية التجار، أي بقية الأشخاص الذين يزاولون التجارة على وجه الاحتراف، يطلق عليه ((العنوان التجاري )). حيث قضت الفقرة (1) من المادة (40) من قانون التجارة الأردني بأن (( على كل تاجر أن يجري معاملاته ويوقع أوراقه المتعلقة بالتجارة باسم معين يطلق عليه العنوان التجاري )) ، وإن كان قانون تسجيل الأسماء التجارية رقم (30)** لسنة 1953 يسميه (الاسم التجاري ) ويعرفه في المادة (2) منه بكونه (( الاسم أو اللقب المستعمل في أية تجارة سواء بصفة شركة عادية أم بغير ذلك )).(2)
مع ملاحظة أن العناصر التي يتألف منها العنوان التجاري تختلف بحسب ما إذا كان التاجر شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا ، كما تختلف بحسب نوع الشخص المعنوي . وفي ذلك نصت المادة (50)*** من قانون التجارة على أنه (( يكون عنوان الشركات التجارية وفق الأحكام القانونية الخاصة بكل نوع منها )) وأنه (( تطبق بشأنها أحكام هذا الفصل ( أي الفصل الخاص بالعنوان التجاري ) التي لا تتعارض مع قانون الشركات الساري المفعول )).(3)
_____________________________________________________________________________
1- علي البارودي ، مبادئ القانون التجاري و البحري ، دار المطبوعات الجامعية ، 1977 ، ص 254.
2- أكرم ياملكي , الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 35 .
3- أكرم ياملكي , الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 36 .
* المادة 38 من القانون المدني ((يكون لكل شخص اسم ولقب ويلحق لقبه بأسماء أولاده)).
** صدر قانون الأسماء التجارية رقم 9 لسنة 2006 الذي ألغى قانون تسجيل الأسماء التجارية رقم 30 لسنة 1953 و قد عرف القانون الجديد في المادة (2) منه الاسم التجاري : الاسم الذي يختاره الشخص لتمييز محله التجاري عن غيره من المحلات والذي يتكون من تسمية مبتكرة أو من اسم الشخص أو لقبه أو منها جميعا ومع أي إضافة تتعلق بنوع التجارة أو النشاط الذي يمارسه.
*** المادة (50) من قانون التجارة ” 1 يكون عنوان الشركات التجارية وفق الأحكام القانونية الخاصة بكل نوع منها . 2 وتطبق بشأنها أحكام هذا الفصل التي لا تتعارض مع قانون الشركات الساري المفعول .”
والعامل المهم الذي يؤثر على كيفية تحديد الاسم التجاري للشركة، وكيفية اختياره هو هل الشركة شركة أشخاص أم شركة أموال ؟
و تقسيم الشركات إلى شركات أشخاص وشركات أموال هو تقسيم فقهي محض، تصنف فيه الشركات بحسب الاعتبار الذي تقوم عليه، حيث تضم شركات الأشخاص الشركات التي يكون فيها لشخصية الشركاء المقام الأول، في حين تشتمل شركات الأموال على الشركات التي يكون فيها لرؤوس الأموال المقام الأول وفق ما سبق بيانه.(1)
لذا فإن عنوان الشركة يعتمد تحديده على نوع الشركة إن كانت شركة أموال أم شركة أشخاص، حيث أن شركات الأشخاص تستمد عنوانها من أسماء الشركاء، أما في شركات الأموال فإن الاسم يشتق من غاياتها، ولبيان أهمية هذه التفرقة والهدف منها فإنني اعرض لهما من خلال مطلبين :
المطلب الأول: العنوان التجاري لشركات الأشخاص.
المطلب الثاني: الاسم التجاري لشركات الأموال.
_________________________________________
1-أكرم ياملكي , الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 47 .
المطلب الأول
العنوان التجاري لشركات الأشخاص
شركات الأشخاص هي الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة بين الشركاء، وتلعب فيها شخصية الشريك دورا رئيسيا، بحيث لا يجوز له التنازل عن حصته إلا بقيود معينة، وبحيث تنتهي الشركة إذا طرأ على شخصيته ما يؤدي إلى انعدامها فعلا وقانونا كالوفاة، أو إلى اهتزاز الثقة فيها كالإفلاس أو الإعسار أو الحجر مثلا. ويدخل تحت هذه المجموعة من الشركات شركة التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة.(1)
تعد شركة التضامن الأنموذج الأمثل لشركات الأشخاص، وذلك لانفرادها بكافة الخصائص المميزة لهذا النوع من الشركات، فهي تقوم على الاعتبار الشخصي، وتكيف حياتها على أساسه، ويتوقف انقضاؤها على زواله، وبعبارة واحدة يلزم من وجود هذا الاعتبار وجودها من عدمه عدمها.(2)
يهمنا بالدرجة الأولى ما جاء في نص المادة (26/أ) من قانون الشركات الأردني والتي تنص على “…. يعتبر الشريك في شركة التضامن مسئولاً بالتضامن والتكافل مع سائر شركائه عن الديون والالتزامات التي ترتبت على الشركة أثناء وجوده شريكاً فيها، ويكون ضامناً بأمواله الشخصية لتلك الديون والالتزامات، وتنتقل هذه المسؤولية والضمانة إلى ورثته بعد وفاته في حدود تركته.” وعليه فيبرز من نص المادة آنف الذكر الاعتبار الشخصي الذي تقوم عليه شركة الأشخاص.
وبناءا على ما تقدم من الاعتبار الشخصي للشركة فإن المشرع في المادة (10/أ) من قانون الشركات الأردني نص على ” يتألف عنوان شركة التضامن من أسماء جميع الشركاء فيها، أو من لقب أو كنية كل منهم، أو من اسم واحد أو أكثر منهم أو لقبه على أن تضاف في هذه الحالة إلى اسمه أو أسمائهم عبارة (وشركاه) أو (وشركاهم) حسب مقتضى الحال، أو ما يفيد معنى هذه العبارة، ويجب أن يكون عنوان الشركة متفقا دائماً مع هيئتها القائمة “.
__________________________________________________________________________________
1- فريد العريني ، القانون التجاري اللبناني ، الدار الجامعية ، 2000 ، ص 254.
2- فريد العريني ، القانون التجاري اللبناني ، الدار الجامعية ، 2000 ، ص 354.
وعليه فانه يظهر بوضوح أن من يرد اسمه في العنوان التجاري لشركة التضامن يكون مسئولا عن ديون الشركة وفق مقتضى المادة (26/ب) والتي تنص على :
” كل من انتحل صفة الشريك في شركة التضامن سواء بألفاظ أو بكتابة أو تصرف أو سمح للغير عن علم منه بإظهاره كذلك يكون مسئولاً تجاه كل من أصبح دائناً للشركة اعتقاداً منه بصحة الادعاء.”
وهذا هو الأصل العام للحفاظ على المتعامل حسن النية مع هذا النوع من الشركات.
نخلص مما تقدم إلى أن الشركات التي يحتوي عنوانها التجاري على أسماء الشركاء تقوم على الاعتبار الشخصي، وتكون مسؤولية الشريك فيها عن ديون الشركة بالتكافل والتضامن مع باقي الشركاء بأمواله الشخصية، ولا يفوتني أن أوضح أن مسؤولية الشركاء الموصين في شركة التوصية البسيطة عن ديون الشركة تكون بمقدار حصتهم في رأس المال ولا تنتقل إلى ذمتهم المالية الخاصة عملا بأحكام المادة (41/ب)* من قانون الشركات، وكذلك الشركاء غير الظاهرين في شركة المحاصة لا يسألون عن ديون الشركة إلا بمقدار حصتهم في رأس المال وفق مقتضيات المادة (51)** من قانون الشركات.
__________________________________________
*المادة (41/ب)من قانون الشركات ” الشركاء الموصون :- ويشاركون في رأس مال الشركة دون أن يحق لهم إدارة الشركة أو ممارسة أعمالها ، يكون كل منهم مسؤولا عن ديون الشركة والالتزامات المترتبة عليها بمقدار حصته في رأس مال الشركة.”
**المادة(51) من قانون الشركات ” ليس للغير حق الرجوع إلا على الشريك الذي تعامل معه في شركة المحاصة ، فإذا اقر أحد الشركاء فيها بوجود الشركة أو صدر عنه ما يدل للغير على وجودها بين الشركاء جاز اعتبارها شركة قائمة فعلا ، وأصبح الشركاء فيها مسؤولين اتجاه ذلك الغير بالتضامن.”
المطلب الثاني
الاسم التجاري لشركات الأموال
شركات الأموال هي الشركات التي تقوم على الاعتبار المالي، ولا اعتداد فيها بالاعتبار الشخصي لكل شريك (1). وتضم هذه المجموعة الشركة المساهمة العامة والخاصة والشركة ذات المسؤولية المحدودة، وقد تجنب قانون الشركات ذكر عبارة العنوان التجاري لمثل هذا النوع من الشركات ونص على اتخاذ اسم للشركة وبين العناصر التي يتكون منها هذا الاسم.
وسبب ذكر الاسم التجاري بدلا من العنوان، أن العنوان له صلة وثيقة بشخصية الفرد الشريك وهذه الشخصية تظهر أهميتها في شركات الأشخاص ( التضامن والتوصية البسيطة ) أما في شركات الأموال فان الأهمية تعطى للاعتبار المالي. وبالتالي ما يميزها عن غيرها من الشركات هو قدرتها المالية والغرض أو الغاية التي أنشئت من أجلها، ولا شأن لأسماء أو لألقاب الشركاء في أهمية الشركة وثقة المتعاملين معها، ذلك لأن الشركاء في هذا النوع من الشركات تتحدد مسؤوليتهم بقدر مساهمتهم في رأس مال الشركة، يضاف إلى ذلك أن الذمة المالية المستقلة لهذه الشركات تمكن الدائنين من أن ينفذوا على أموالها وممتلكاتها لاستيفاء ديونهم ولا علاقة للمساهمين في ضمان التزامات الشركة مهما كانت قدرتهم المالية. لذا فان هذه الشركات تستمد اسمها من الغرض الذي أنشئت من أجله.(2)
نجد المشرع الأردني في قانون الشركات قد جعل شركات الأموال شركات عارية من العنوان بنصه بالمادة 55 على ” تستمد الشركة ذات المسؤولية المحدودة اسمها من غاياتها ويجب أن تضاف إليها عبارة (ذات المسؤولية المحدودة) ويمكن اختصار هذه العبارة بالأحرف (ذ.م.م) وأن يدرج اسمها هذا ومقدار رأسمالها ورقم تسجيلها في جميع الأوراق والمطبوعات التي تستخدمها في أعمالها وفي العقود التي تبرمها ” .
وكذلك نصت المادة (65/ج) مكرر من ذات القانون على:
” يجب أن لا يتعارض اسم الشركة مع غاياتها على أن تتبعه أينما وردت عبارة ( شركة مساهمة خاصة محدودة ) ويجوز أن يكون باسم شخص طبيعي إذا كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة بصورة قانونية باسم ذلك الشخص.”
_____________________________________________________________________________________________
1- فريد العريني ، القانون التجاري اللبناني ، الدار الجامعية ، 2000 ، ص 254.
2- فوزي محمد سامي، الشركات التجارية الأحكام العامة والخاصة ،دار الثقافة ،2006، ص 42 .
بالإضافة إلى المادة (90/ج) من ذات القانون والتي تنص على:
” تستمد الشركة المساهمة العامة اسمها من غاياتها على أن تتبعه أينما ورد عبارة (شركة مساهمة عامة محدودة)، ولا يجوز أن تكون باسم شخص طبيعي إلا إذا كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة بصورة قانونية باسم ذلك الشخص”.
المبحث الثاني
موقف التشريعات من الاسم التجاري لشركات الأموال
عالجت التشريعات في الدول العربية والأجنبية موضوع الاسم التجاري لشركات الأموال، بطرق وأساليب مختلفة، وسيساعد الإطلاع على تشريعات الدول الأخرى، وخاصة تشريعات الدول المجاورة لنا، على تكوين فكرة عامة عن الإجراءات والقوانين التي وضعت لتنظيم هذا الأمر ممن تعرضوا له، وتساعدنا في اتخاذ موقف صحيح في تشريعنا، وتجنب أي إشكاليات قد تحدث. لذا سأتناول في موضوع التشريعات المقارنة أسم شركة المساهمة العامة كونها تمثل شركات الأموال، بالإضافة إلى انعدام الاعتبار الشخصي للشركاء فيها الذي يكاد أن يكون معدوما.
لذا سنبحث هذا الموضوع في مطلبين كالتالي :
المطلب الأول: موقف التشريعات العربية من الاسم التجاري لشركات الأموال.
المطلب الثاني: موقف المشرع الأردني من الاسم التجاري لشركات الأموال في قانون الشركات الأردني.
المطلب الأول
موقف التشريعات العربية من الاسم التجاري لشركات الأموال
اعتنت معظم التشريعات العربية بالشركات وشرعت لها قوانين تنظم عملها، وخاصة شركات الأموال، وسنستعرض التشريعات العربية، وموقفها من الاسم التجاري لشركة المساهمة العامة باعتبارها الشركة التي تمثل شركات الأموال.
نبدأ بالمشرع المصري حيث نص في المادتين (32) و (33) من القانون التجاري لسنة 1883 , المنقولتين عن المادتين (29) و (30) من التقنين التجاري الفرنسي لسنة 1807 , بقوله أن ” شركة المساهمة لا تعنون باسم الشركاء ولا باسم أحدهم “,” وإنما يطلق عليها الغرض المقصود منها كعنوان لها ” , قبل أن ينص في المادة (2) من قانون شركات المساهمة و شركات التوصية بالأسهم و الشركات ذات المسؤولية المحدودة لسنة 1981 على أنه(1) ” شركة المساهمة …….. وتقتصر مسئولية المساهم على أداء قيمة الأسهم التي اكتتب فيها ولا يسأل عن ديون الشركة إلا في حدود ما اكتتب فيه من أسهم . ويكون للشركة اسم تجارى يشتق من الغرض من إنشائها ولا يجوز للشركة أن تتخذ من أسماء الشركاء أو اسم احدهم عنوانا لها .” ، وفي المادة رقم (4) من نفس القانون ” الشركة ذات المسئولية المحدودة هي شركة لا يزيد عدد الشركاء فيها على خمسين شريكا لا يكون كل منهم مسئولا إلا بقدر حصته ……….وللشركة أن تتخذ اسما خاصا ويجوز أن يكون اسمها مستمد من غرضها ويجوز أن يتضمن عنوانها اسم شريك أو أكثر .”
و في حين اقتصرت المادة (4) من الظهير المغربي رقم 17,95 لسنة 1996 المتعلق بشركات المساهمة على ” يجب أن تتضمن المحررات و الوثائق الصادرة عن الشركة و الموجهة إلى الغير خاصة منها الرسائل و الفاتورات و مختلف الإعلانات و المنشورات , تسمية الشركة مسبوقة أو متبوعة مباشرة وبشكل مقروء بعبارة ” شركة مساهمة ” أو الأحرف الأولى ” ش.م ” ومبلغ رأس مال الشركة ومقرها الاجتماعي بالإضافة إلى رقم تقييدها في السجل التجاري “.
______________________________________________________________
1- أكرم ياملكي , القانون التجاري الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 145 .
وتحت العنوان الأول الشركة خفية الإسم ، الفرع الأول أحكام عامة نص الفصل 160 من مجلة الشركات التجارية التونسية لسنة 2000 على ((الشركة خفية الإسم، هي شركة أسهم تتكون من سبعة مساهمين على الأقل يكونون مسؤولين في حدود مساهماتهم وتتمتع بالشخصية المعنوية. وتعرف الشركة خفية الإسم بتسمية اجتماعية مسبوقة أو ملحقة بشكل الشركة ومبلغ رأس مالها. ويجب أن تكون هذه التسمية مختلفة عن كل تسمية لكل شركة سابقة. الوجود)).
وجاء في المادة (77) من قانون التجارة اللبناني لسنة 1942 المتضمنة أن ((الشركة المغفلة هي شركة عارية من العنوان تؤلف بين عدد من الأشخاص يكتتبون باسهم أي اسناد قابلة للتداول ولا يكونون مسؤولين عن ديون الشركة إلا بقدر ما وضعوه من المال.)).
و في قانون الشركات السوري رقم 3 لسنة 2008 في المادة (88) نص على ” اسم الشركة
1 ـ لا يجوز أن يكون اسم الشركة اسماً لشخص طبيعي إلا إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص.
2 ـ يجب أن يتبع اسم الشركة عبارة «شركة مساهمة».
3 ـ إضافة إلى البيانات التي يجب على الشركات إدراجها في مطبوعاتها وإعلاناتها وعقودها، يجب على الشركة المساهمة إدراج رأسمالها في هذه الأوراق. ” . حيث ألغى هذى القانون أحكام الكتاب الثاني من قانون التجارة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 149 تاريخ 1949 وتعديلاته المتعلقة بالشركات التجارية حيث انه كان يجيز استخدام اسم شخص طبيعي في حالة كان له شهرة تجارية واسعة كما ذكر في المادة (90) من قانون التجارة السوري.
وذهبت المادة (63) من قانون الشركات التجارية الكويتي رقم 15 لسنة 1960, المعدلة بالمرسوم رقم (16) لسنة 1992, إلى أبعد من ذلك بنصها على أن ” شركة المساهمة شركة عارية عن العنوان و يجب أن يطلق عليها اسم تجاري معين يشير إلى غايتها و يخصصها ولا يجوز أن يكون الاسم مستمداً من اسم شخص طبيعي إلا في الحالات التالية :
أ- إذا كان غرضها استثمار براءة اختراع مسجلة قانوناً باسم هذا الشخص.
ب- إذا تملكت الشركة مؤسسة تجارية تحمل اسم شخصي طبيعي.
ت- إذا تم التحول إلى شركة مساهمة من شركة إلى شركة يشمل عنوانها على اسم شخص طبيعي.
(ويجب أن يتبع اسم الشركة أينما ورد عبارة شركة مساهمة ) “.
وجاء نص المادة (60) من قانون الشركات التجاري اليمني لسنة 1997 مشابهاً لذلك ” يجب أن يكون اسم الشركة المساهمة مشتقاً من غرضها ولا يجوز أن يشتمل اسم الشركة المساهمة على اسم شخص طبيعي إلاَّ إذا كان موضوع الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص أو إذا تملكت الشركة عند تأسيسها أو بعد ذلك مؤسسة تجارية واتخذت اسمها اسماً لها، وفي جميع الأحوال يجب أن يضاف إلى اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة) مكتوبة بالحروف الكاملة.”.
وهو نفس ما نصت عليه المادة (61) من قانون الشركات التجارية البحريني رقم 21 لسنة 2001 ” يجب أن يكون لشركة المساهمة اسم تجاري معين يخصصها ويشير إلى غايتها. ولا يجوز أن يكون هذا الاسم مستمدا من اسم شخص طبيعي، إلا إذا كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة قانونا باسم هذا الشخص، أو إذا تملكت الشركة عند تأسيسها أو بعد ذلك مؤسسة تجارية واتخذت اسمها اسما لها. ويجب أن يتبع اسم الشركة، أينما ورد، عبارة -شركة مساهمة بحرينية-“.
كما أن المادة (50) من نظام الشركات السعودية لسنة 1965 قد نصت على ” لا يجوز أن يشتمل اسم الشركة المساهمة على اسم شخص طبيعي إلا إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص أو إذا تملكت الشركة مؤسسة تجارية واتخذت اسمها إسما لها . “.
وهو نفس ما نصت عليه المادة (65) من قانون الشركات التجارية الاتحادي الإماراتي لسنة 1984 ” يكون لكل شريك مساهمة عامة اسم مشتق من غرضها، ولا يجوز أن يكون اسما لشخص طبيعي إلا إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص، أو إذا تملكت الشركة عند تأسيسها أو بعد ذلك متجرا واتخذت اسمه اسما لها.
وفي جميع الأحوال يجب أن يضاف إلى اسم الشركة عبارة ” شركة مساهمة عامة “…..”.
وكذلك الأمر بالنسبة للمادة (62) من قانون الشركات التجارية القطري رقم 5 لسنة 2002 ” يكون لكل شركة مساهمة اسم يشير إلى غرضها. ولا يجوز أن يكون اسماً لشخص طبيعي، إلا إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص، أو إذا تملكت الشركة منشأة تجارية واتخذت اسمها اسماً لها. وفي جميع الأحوال يجب أن يضاف إلى اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة قطرية).”
في حين ذهب المشرع العماني بنصه في المادة (57) من قانون الشركات التجارية رقم 4 لسنة 1974 على ” يمكن أن يتألف اسم الشركة المساهمة من أي كلمة، ولا يجوز أن يكون اسما لشخص طبيعي، إلا إذا كانت غاية الشركة استغلال براءة اختراع مسجلة قانونا باسم ذلك الشخص، شرط أن لا يكون اسم الشركة مضللا لغاياتها أو هويتها أو هوية أعضائها، يجب أن يتبع اسم الشركة أينما ظهر بعبارة شركة مساهمة عمانية مقفلة أو المصطلح (ش.م.ع.م) أو شركة مساهمة عمانية عامة أو المصطلح (ش.م.ع.ع).” .
وبينما كانت المادة (33) من قانون الشركات التجارية العراقية الأسبق لسنة 1957 تنص على انه ” يطلق على الشركة المساهمة أسم مستمد من أعضائها أو تسميه خاصة مقبولة تطلق عليها, وتكون عارية من العناوين “, وأوضحت في المادة (34) منه أنه:
” 1- لا يجوز أن يكون هذا الاسم مستمدا من اسم شخص طبيعي إلا إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة قانونياً باسم ذلك الشخص.
2- لا يجوز أن يتضمن الاسم ما يشير صراحة أو دلالة على رعاية الملك أو ترخيصه أو موافقته بدون إذن خاص.
3- ولا أن يكون فيه ما يؤدي إلى استغلال الجمهور على نحو غير مشروع .
4- أينما ورد اسم الشركة يجب أن يتبعه عبارة ( شركة مساهمة ) مع بيان رأس مالها.
5- …. الخ”, جاءت الفقرة ( أولاً ) من المادة (13) من قانوني الشركات اللاحقين لسنة 1983 و سنة 1997 بنص عام, ضمن مستلزمات تأسيس الشركة (أي شركة ), يستلزم كون اسمها مستمداً من نشاطها, يذكر فيه نوعها… , وإن استدركت بعد ذلك فأجازت ” إضافة أية تسمية مقبولة ( إن كانت مساهمة أو محدودة ), وجاءت بعدها المادة (23) من القانون التجاري لسنة 1984 لتؤكد على أنه يجب أن يدل الاسم التجاري للشركة على نوعها.(1)
والمشرع الليبي اقتصر في نص المادة (480) من القانون التجاري لسنة 1954, تحت عنوان ( تسمية الشركة ), على انه ” يجب أن يرافق اسم الشركة التجارية كيفما تم اختياره بيان صفتها بأنها شركة مساهمة “.
و نص المشرع الجزائري الذي في المادة (593) من قانون التجاري لسنة 1975, المعدلة بمرسوم 1993/4/25 على أنه ” يطلق على شركة المساهمة تسمية الشركة، ويجب أن تكون مسبوقة أو متبوعة بذكر شكل الشركة ومبلغ رأسمالها. يجوز إدراج اسم شريك واحد أو أكثر في تسمية الشركة. “.
بذلك نكون اطلعنا على أهم تشريعات الدول العربية المجاورة, التي غالباً ما تتعرض إلى نفس الظروف و المشاكل التي نتعرض لها، و نلاحظ التباين في المواقف بين التشريعات المعروضة, مابين من يمنع و بين من يجيز, إلا أن من أجاز منهم من جعل الإجازة في حد ضيق ومنهم من أعطا حرية كاملة في اختيار الاسم, ورغم أن المشرع الأردني قد سمح أن يكون الاسم مستمد من اسم شخص طبيعي لكن ضمن استثناء واحد وهو استثمار براءة اختراع مسجل بسم هذا الشخص, لكنه بهذا الاستثناء يتقدم بخطوة عن التشريع المصري والتونسي واللبناني, حيث أنهم لم يستثنوا أي حاله, إلا أنها متأخرة بخطوات عن التشريع الكويتي والإماراتي والسعودي والعماني والقطري والبحريني واليمني, حيث أنهم توسعوا في الاستثناء, بشكل يخدم مصالح الشركات, إلا أن المشرع الليبي والجزائري و المغربي قد أطلقا الحرية دون تقييد, لكن هذه الحرية خاصة في تشريعات الشركات المساهمة العامة محفوفة بالخطر من استغلال هذه الحرية في أغراض المنافسة الغير شريفة و الاحتيال.
______________________________________________________________
1- أكرم ياملكي , القانون التجاري الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 145 .
المطلب الثاني
موقف المشرع الأردني من الاسم التجاري لشركات الأموال في قانون الشركات الأردني
تنص المادة (55) من قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته, على:
” تستمد الشركة ذات المسؤولية المحدودة اسمها من غاياتها ويجب أن تضاف إليها عبارة (ذات المسؤولية المحدودة) ويمكن اختصار هذه العبارة بالأحرف (ذ.م.م) وان يدرج اسمها هذا ومقدار رأسمالها ورقم تسجيلها في جميع الأوراق والمطبوعات التي تستخدمها في أعمالها وفي العقود التي تبرمها “.
وتنص المادة (65/ج) مكرر من ذات القانون على :
” يجب أن لا يتعارض اسم الشركة مع غاياتها على أن تتبعه أينما وردت عبارة ( شركة مساهمة خاصة محدودة ) ويجوز أن يكون باسم شخص طبيعي إذا كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة بصورة قانونية باسم ذلك الشخص “.
كما تنص المادة (90/ج) من ذات القانون على:
” تستمد الشركة المساهمة العامة اسمها من غاياتها على أن تتبعه أينما ورد عبارة (شركة مساهمة عامة محدودة), ولا يجوز أن تكون باسم شخص طبيعي إلا إذا كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة بصورة قانونية باسم ذلك الشخص “.
من خلال استقراء نصوص المواد آنفة الذكر يستفاد عدم جواز الإشارة إلى اسم أي شريك في الاسم التجاري للشركة المساهمة العامة, كقاعدة عامة, وهذا متأت من مبدأ تحديد مسؤولية جميع الشركاء في هذه الشركة. فكما لا يجوز أن يدخل في عنوان شركة التوصية, أسماء الشركاء الموصين المحدودة مسؤوليتهم والممنوعين من التدخل في الإدارة, فكذلك لا يجوز استعمال أسماء المساهمين في الشركة المساهمة العامة نظراً لتحديد مسؤوليتهم جميعاً بقدر الأسهم التي اشتركوا بها فيها (1), وهذا ما جاءت به
_____________________________________________________________________________________________
1- أكرم ياملكي , القانون التجاري الشركات (دراسة مقارنه) , دار الثقافة , 2006 , ص 142 .
المادة (91) من قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 وتعديلاته والتي تنص على :
” تعتبر الذمة المالية للشركة المساهمة العامة مستقلة عن الذمة المالية لكل مساهم فيها ، وتكون الشركة بموجوداتها وأموالها مسؤولة عن الديون والإلتزامات المترتبة عليها ولا يكون المساهم مسؤولاً تجاه الشركة عن تلك الديون والإلتزامات ، إلا بمقدار الأسهم التي يملكها في الشركة”.
وإن السبب في هذا المنع أن ائتمان الشركة يستمد من رأس مالها لا من أسماء الشركاء كما هو الحال في شركات الأشخاص التي يتضمن عنوانها التجاري أسماء الشركاء الذين يكمل ائتمانهم ائتمان الشركة وتكون أموالهم ضامنة للوفاء بديونها. فالمشرع لا يسمح أن يتضمن اسم الشركة اسم شخص طبيعي من المساهمين حتى يحول دون اعتقاد الأغيار الذين يتعاملون مع الشركة بمسؤولية هذا الشخص عن التزامات الشركة في كل أمواله.(1)
ولم يستثن المشرع إلا حالة واحدة من تطبيق هذه القاعدة العامة وهي عدم جواز تضمين اسم شركة الأموال باسم شريك أو أكثر إلا في حالة استثمار براءة اختراع، لذا يفهم من ذلك رفض المشرع انتقال عنوان شركة أشخاص ليصبح اسما لشركة أموال كأصل عام إلا بوجود هذا الاستثناء.
وهنا فان اعتبار الشارع مبرر، وأرى أن من المصلحة بقاءه على حاله، في حالة تأسيس شركة الأموال ابتداءا، وأن العنوان التجاري المراد إعطاؤه لها ليس معروفاً من قبل. إلا أن المشكلة تثور عندما تنوي إحدى الشركات (شركات الأشخاص) بالتحول إلى شركة أموال كشركة ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة عامة مثلا، حيث أن اسمها ما هو إلا عنوان تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي، وحيث أن المتعاملين معها قد اعتادوا على اسمها واشتهرت به فإن تغيره قد يضر بها بشكل كبير إن كان الاسم له قيمة تجارية عالية ، فما هو موقف المشرع الأردني من هذه الحالة ؟
نستنتج كقاعدة عامة أن شركات الأموال التي هي لا تقوم على الاعتبار الشخصي ولها ذمتها المالية المستقلة عن المساهمين فيها، مثل الشركة المساهمة العامة والشركة ذات المسؤولية المحدودة والشركة المساهمة الخاصة المحدودة، لا يجوز أن يكون أسمها مستمد من اسم شخص طبيعي،
_____________________________________________________________________________________________
1- العكيلي , عزيز , شرح القانون التجاري الجزء الرابع في الشركات التجارية , دار العالمية الدولية , 2002 , ص 194 .
وفق أحكام المواد (90/ج) و(55) و(65/ج) من قانون الشركات، وكذلك الحال بالنسبة للمساهمين التي تنحصر مسؤوليتهم في مقدار أسهمهم في الشركات ذات الطبيعة المختلطة، مثل شركة التوصية بالأسهم فلا يجوز أن يتكون اسم الشركة من أسمائهم.
خرج المشرع الأردني عن هذه القاعدة بطريقة غير مباشرة في أكثر من موقع، إذ نص في المادة (56) من قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 على السماح لشركة التضامن أو التوصية البسيطة بالاحتفاظ باسمها الأصلي إذا ما رغبت بالتحول إلى شركة ذات مسؤولية محدودة. لكن من المستغرب أن يسمح لشركة ذات المسؤولية المحدودة بذلك، ولا يسمح لشركات المساهمة العامة، وذلك لأن العلة في المنع واحدة في شركات الأموال.
والغريب أن يسمح المشرع للشركة ذات المسؤولية المحدودة بأن تحمل اسم مستمد من أسماء الشركاء بسبب تحولها من شركة تضامن أو توصية بسيطة رغم أن الشريك غير مسؤول عن ديون الشركة إلا بقدر حصته في الشركة فقط، سيما وان المشرع الأردني قد منح الحق بتأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة من شخص منفرد وبرأسمال وقدره ألف دينار أردني فقط وفق أحكام المادة (3)* من نظام تسجيل الشركة ذات المسؤولية المحدودة رقم 76 لسنة 2008 الصادر بمقتضى الفقرة 54 من قانون الشركات رقم 22 لسنة 1997 ، ولا يجوز لها طرح أسهم أو سندات للتداول وفق أحكام المادة (54/ب)** من قانون الشركات وبذلك فإن ذمتها المالية اضعف من ذمة الشركة المساهمة العامة بكثير، والتي حدد المشرع رأس مالها المصرح به كحد أدنى بـ 500 ألف دينار أردني, والمكتتب به 100 ألف دينار أردني كما جاء بالمادة (95/أ)*** ويسمح لها بإصدار سندات دين, لذا فإن مركزها المالي أقوى من الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
________________________________________________
* المادة 3 من نظام تسجيل الشركات ذات المسؤولية المحدودة ((يحـدد رأسمـال الشركة ذات المسؤولية المحدودة بالدينار الأردني ، على أن لا يقل عن ألف دينار مقسماً إلى حصص متساوية قيمة الحصة الواحدة دينار واحد على الأقل غير قابلة للتجزئة.))
** المادة (54/ب) و تنص على ((لا يجوز للشركة ذات المسؤولية المحدودة طرح حصصها أو زيادة رأسمالها أو الاقتراض بطريقة الاكتتاب)).
*** المادة (95/أ) و تنص على ((يحدد رأس مال الشركة المساهمة العامة المصرح به وكذلك الجزء المكتتب به فعلاً بالدينار الأردني ويقسم إلى أسهم اسمية وتكون قيمة السهم ديناراً واحداً، شريطة أن لا يقل راس المال المصرح به عن خمسمائة ألف (500.000) دينار و راس المال المكتتب به عن مئة ألف (100.000) دينار أو عشرين بالمائة (20%) من راس المال المصرح به أيهما أكثر.))
وبالرغم من هذا التجاوز لم يضع المشرع أية قيود عليه ، مثل القيد الذي وضع على شركة التضامن عند موت أحد الشركاء ونية الشركة بالاحتفاظ بعنوان الشركة كما هو في المادة (10/ج) من قانون الشركات وهذا القيد هو “أن يكون هذا العنوان التجاري قد اكتسب شهرة تجارية”، فقط اشترط أن يكون لشركة تضامن أو شركة توصية البسيطة .
المبحث الثالث
إمكانية استخدام شركة الأموال لاسم تجاري مستمد من أسم شخص طبيعي
لا يلجأ المشرع عادة إلى تعديل مادة أو سن تشريع إلا لتحاشي خطر وتفاديه أو لجلب منفعة أو لمواكبة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها، ومن أهمها تشجيع الاستثمار الذي يعود بدخل وفير لخزينة الدولة وينعكس على الاقتصاد بشكل ايجابي، وهو بذات الوقت خطر إن ترك بلا تنظيم، فالخوف يكمن في تجميع الأموال من المساهمين ومن ثم يتضح فيما بعد بأن هذه الشركة وهمية أو لا أساس لها، إضافة إلى ممارسات أخرى كثيرة قد تصيب الاقتصاد بالعجز أو تدمره، لذا يجب الموازنة بين المنفعة المرجوة والخطر المحتمل، وتطبيقا لهذه المخاطر يثور تساؤل هام وهو: هل من الصواب منع استخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي لشركة أموال أم إجازته ؟ وما هي حدود المنع أو الإجازة ؟
سأتناول للإجابة على هذا التساؤل مطلبين إضافة إلى بيان الاستثناء الوارد في القانون الأردني من إمكانية استخدام شركة الأموال لاسم شخص طبيعي وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: المصلحة من استخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي.
المطلب الثاني: حدود استخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي.
المطلب الأول
المصلحة من استخدام اسم تجاري مستمد من اسم شخص طبيعي
قبل أن يجيز المشرع استخدام اسم شخص طبيعي كاسم لشركة أموال أو يمنعه لا