by on March 14, 2020
2,003 views

بحث قانوني معمق عن جريمة إفشاء الأسرار و السر المهني .

بسم الله الرحمن الرحيم

جريمة إفشاء الأسرار

مقدمة

الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن والمجتمع، تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الدينية والوطنية و القومية، وتحرص على إرساء معايير وقواعد ومبادئ أخلاقية تحكم آداب الوظيفة العامة(1)، والموظف العام هو وسيلة الدولة في تنفيذ مهامها وأداء واجباتها وعلى مدى صلاح الموظف يتوقف صلاح الإدارة العامة،لذلك فقد قيل بحق ان الادارة العامة تساوى ما يساويه رجالها (2)
ولا شك أن التعيين في الوظيفة العامة، يرتب للموظف العام عددا من الحقوق، ويفرض عليه بالمقابل مجموعة من الالتزامات الوظيفية، من هذه الالتزامات ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي، ولقد اخترنا لبحثنا هذا واحداً من أهم التزامات الموظف العام السلبية، وهو عدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة، ليكون محلاً لدراستنا، وبما ينسجم مع المحاور التي يدور حولها مؤتمر (المسؤولية المهنية) الذي تقيمه كلية القانون بجامعة اليرموك. ولقد جاءت دراستنا في مباحث اربع مسبوقة بتمهيد، عرضنا في المبحث الأول لأحكام السر الوظيفي، وتناولنا في المبحث الثاني الاساس القانوني للالتزام بعدم افشاء الاسرار وعلاقته بالتزامات الموظف الاخرى, وأفردنا المبحث الثالث لطرق افشاء وانقضاء السر الوظيفي واثار الافشاء، ودرسنا في المبحث الرابع الالتزام بالكتمان ومباديء الشفافية والحصول على المعلومات, وأنهينا البحث بعدد من الاستنتاجات والتوصيات التي خلصنا إليها من خلال البحث.

تمهيد

مفهوم الموظف العام

على الرغم من أن الفقه والقضاء الإداريان لم يتفقا على تعريف محدد للموظف العام، إلا أنهما اتفقا على عناصر معينة أوجبا توفرها لاكتساب هذه الصفة، تتلخص تلك العناصر في التعيين من السلطة العامة المختصة، شغل وظيفة دائمة، الخدمة في مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ,وهو ما استقر عليه قضاء محكمة العدل العليا التي تعرف الموظف العام بانه (000 الشخص الذي يعهد اليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام يديره احد اشخاص القانون العام, وهذا التعريف ينسحب على موظفي المرافق التي تديرها الدولة ممثلة في سلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية كما انه ينسحب ايضا على موظفي المؤسسات العامة الادارية والمؤسسات المعتبرة من اشخاص القانون العام)(3)
أما على صعيد التشريع، فقد عرف نظام الخدمة المدنية رقم (20) لسنة 2007 في المادة (2) الموظف العام بأنه: (“الشخص المعين بقرار من المرجع المختص في وظيفة مدرجة في جدول تشكيلات الوظائف الصادر بمقتضى قانون الموازنة العامة أو موازنة إحدى دائرة والموظف المعين بموجب عقد ولا يشمل الشخص الذي يتقاضى أجراً يومياً)، في حين وسع المشرع الجنائي في المادة 169) من قانون العقوبات رقم 16 لسنة1960 مدلول الموظف ا لعام ليشمل أشخاصاً قد لا تتوفر فيهم العناصر المذكورة، بهدف بسط أوسع حماية ممكنة للإدارة العامة من جهة، وللعاملين فيها من جهة أخرى.
لقد جاءت إشارتنا المقتضبة لتعريف الموظف العام، لارتباط موضوع البحث بواحد من اهم التزاماته الوظيفية وهو عدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة، كما سنوضح فيما يلي من البحث.

 

المبحث الأول: أحكام السر الوظيفي

يجدر بنا قبل البحث في التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة، أن نوضح بعض المسائل المتعلقة بالسر الوظيفي، فنتعرف إلى معناه وشروط قيامه وأنواع الأسرار الوظيفية ومسوغات كتمانها، وهو ما نبحثه في مطالب ثلاث وكما يلي.

المطلب الأول: المقصود بالسر الوظيفي وشروطه

أولاً: المقصود بالسر الوظيفي
السر لغة( ما يكتمه الإنسان في نفسه)(4)، وكل خبر يقتصر العلم به على مجموعة من الأشخاص، أما السر الوظيفي فهو كل ما يتصل بالمعلومات والإجراءات والقرارات التي يطلع عليها الموظف من خلال ممارسة الوظيفة العامة، أي بحكم وظيفته، إما القضاء الفرنسي فيذهب إلى اعتبار المواضيع غير النهائية والأعمال التحضيرية التي تقوم بها الإدارة غير قابلة للاطلاع(5).
وعلى ذلك فإن إفشاء الأسرار يعني الإفضاء بوقائع لها الصفة السرية من شخص مؤتمن عليها بحكم وظيفته أو مهنته خلافا للقانون.
وإذا كان الاحتفاظ بالسر وعدم إفشاؤه يمثل التزاماً يقع على من علم به بحكم مهنته موظفاً كان أم غير موظف، فإن ما يختص به الموظف من تصديه للخدمة العامة يحمله التزامات صارمة في هذا الصدد أكثر من تلك التي تفرض عادة على العاملين خارج الإدارة العامة(6). وبدهي أن ليس كل ما يطلع عليه الموظف بحكم وظيفته من معلومات ينطبق عليه وصف السرية، بل لا بد من توفر شروط معينة لقيام هذه الصفة، وهو ما نوضحه فيما يلي.

ثانياً: شروط السر الوظيفي
تذهب بعض الآراء إلى أن المفهوم القانوني للسر الوظيفي لا يزال غامضاً لأنه غير مبني على أسس قانونية واضحة وجلية، كما لم يتم تحديد مفهوم السرية من قبل الإدارة، لذلك فإن مداها يختلف من إدارة إلى أخرى ومن موظف لآخر(7)، ولكن دراسة شروط قيام السر الوظيفي قد يوضح ذلك المفهوم وكما يلي:

  • 1. أن يكون سراً بطبيعته أو بسبب الظروف المحيطة به.
    لقد انقسم الفقه بشأن تحديد السر إلى اتجاهين اتجاه أخذ بالمعيار الشخصي، حيث يتم تحديد وصف السرية عن طريق صاحب السر طواعية، فالموظف لا يلزم في هذه الحالة، إلا بما يعهد به إليه صاحب السر، أما الاتجاه الآخر فيأخذ بالمعيار الموضوعي الذي يعتمد في تحديد وصف السرية بالنظر إلى الظروف والأحوال الموضوعية التي أحاطت بالواقعة(8)، فلا يشترط أن يعهد صاحبه به صراحة إلى الموظف، بل يكفي أن يتم الاطلاع عليه بسبب المهنة أو الوظيفة، طالما ان هذه الوقائع مرتبطة بالموضوع الذي عهد به إليه، وهو المعيار المعتمد بالنسبة إلى الموظف العام(9)، مثال ذلك سرية العطاءات المقدمة في المناقصات والمزايدات العامة0 وكذلك أسئلة الامتحانات، فهي أعمال تستلزم بطبيعتها أن تكون سرية، إذ أن الأستاذ الذي وضعها وكل من يراجعها أو يطبعها يلتزم بالمحافظة على سريتها(10)، وكذلك المعلومات التي تتصل بالحياة الخاصة للأفراد، وبأسرارهم المالية والتجارية.
  • 2. أن لا يكون معلوماً للكافة:
    يفقد الأمر صفة السرية إذا كانت الواقعة التي تتعلق بها معلومة للكافة، على أنه ينبغي أن يلاحظ هنا بأن الطابع السري للواقعة أو المعلومة لا ينتقي حتى لو كانت معروفة بهذا الشكل أي للكافة، ما دامت غير مؤكدة، فالموظف الذي يؤكد شائعات يكون قد أفشى السر الذي أؤتمن عليه ويتحمل من ثم مسؤولية ذلك(11). من جهة أخرى، فإن السر يمكن أن يكون معلوماً من قبل عدد محدود من الناس حتى لو كان كبيراً ما داموا من محيط عائلي، أو من محيط عمل واحد، وبرغم ذلك يبقى طابع السرية ملازماً له. بينما تنتفي صفة السرية عن الواقعة، حتى لو لم يعلم بها كثير من الناس، إذا علم بها من لا تربطهم بصاحب السر علاقة خاصة، كالعلم بالوقائع عن طريق جلسة محاكمة علنية.
  • 3. أن يعلم الموظف بالسر أثناء الوظيفة أو بسببها:
    أي أن يكون من طبيعة وظيفة الموظف الاطلاع على الأسرار، ونطاق هذه الأسرار يشمل ما اطلع عليه الموظف منها بحكم وظيفته كالأوامر والقرارات الإدارية والدراسات ومشاريع القوانين والقرارات وغيرها، وقد يكون علمه بها بشكل غير مباشر، إذ قد يتيح العمل الوظيفي للموظف الاطلاع على أسرار معينة يكلفه زملاؤه في العمل بتبليغها، أو كحالة الموظف ا لذي يطلع على محتوى المراسلات التي تمر على زميله بسبب وجودهما في مكان عمل واحد، أو عندما تكون الأعمال ذات طبيعة سرية، إلا أن ممارستها أو إنجاز ما يتعلق بها يتطلب ممن أنيطت به تلك الواجبات أن يستعين بأشخاص آخرين لمساعدته لعدم إمكان أداءه لها بصورة منفردة(12)، وقد يطلع الموظف على السر إذا ما أفضى به إليه صاحب السر ذاته، إما بموجب القانون أو بشكل طوعي، كما هي الحال بالنسبة للقاضي أو عضو النيابة العامة.
    في جميع هذه الأحوال يلتزم الموظف بالكتمان وإلا عرض نفسه للمساءلة التأديبية، فضلاً عن صور المسؤولية الأخرى.

المطلب الثاني: أنواع السر الوظيفي ومسوغات كتمانه

نتناول في هذا المطلب، ومن خلال فقرتين أنواع الأسرار الوظيفية، والمسوغات التي توجب على الموظف كتمانها.

أولاً: أنواع السر الوظيفي
تقسم الأسرار التي يطلع عليها الموظف بحكم طبيعته إلى صور عدة، فهناك من يصنفها إلى أسرار بطبيعتها والأسرار الحكمية، والأسرار بناء على نص قانوني أو تعليمات إدارية ،وثمة من يصنفها إلى أسرار حكومية وأسرار إدارية وأسرار أفراد(13) وهو التقسيم الذي نوضحه فيما يلي:

  • 1. الأسرار الحكومية: وهي تلك المتصلة بوظيفة الدولة بوصفها حكومة تقوم على السياسة العليا للدولة، كالأسرار العسكرية والأمنية والأسرار المتصلة بعلاقات الدولة بالدول الأخرى. وهذه الأسرار يجب أن تبقى طي الكتمان حرصاً على سلامة الدولة.
  • 2. الأسرار الإدارية: وهي أسرار الجهات الإدارية التي لا تمس سلامة الدولة، إلا أن إفشاءها من شأنه الإضرار بالنظام العام وحسن سير المرافق العامة وانتظام العمل داخلها، مثالها أسرار التحقيقات التي يقرر القانون أو النظام كتمانها، والأسعار الاحتياطية للمقاولات التي تروم الدولة إحالتها إلى القطاع الخاص، ومشاريع الاستملاك للعقارات، وغير ذلك من الأسرار ذات الجانب الاقتصادي والمالي.
  • 3. أسرار الأفراد: وهي الأسرار التي تعد حقاً شخصياً لأحد الأفراد أو مجموعة منهم والتي تمس شؤونهم الشخصية أو العائلية، أو تلك التي تتعلق بالعمل، مثالها حق المريض في إخفاء حالته الصحية، مما يلتزم الطبيب بكتمانه، حق الزوج في أن تبقى الاسرار العائلية التي يطلع عليها القاضي أو الموظف في المحكمة طي الكتمان، وقد تتعلق هذه الأسرار بالموظفين ذاتهم كالظروف الشخصية التي يعلم بها الرئيس أو المسؤول الإداري وبعض الزملاء.

ثانيا-تقسيم الاسرارفي القانون الاردني :-
لقد قسم المشرع الأردني وثائق الدولة استناداً إلى ما تحويه من أسرار، وذلك بموجب قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم (50) لسنة 1971 إلى معلومات تصنف بدرجة (سري للغاية، سري، محدود). فأورد تحت بند سري للغاية أية معلومة يؤدي إفشاء مضمونها لأشخاص لا تقتضي طبيعة عملهم الاطلاع عليها أو الاحتفاظ بها أو حيازتها، إلى حدوث أضرار خطيرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو إلى فائدة عظيمة لأية دولة أخرى من شأنها أن تشكل أو يحتمل أن تشكل خطراً على المملكة، وأية خطة ذات علاقة بإجراءات الأمن الداخلي سواء كانت اقتصادية أو إنتاجية أو تموينية أو عمرانية…. الخ ،وتشمل كذلك الوثائق السياسية الهامة جداً وذات الخطورة المتعلقة بالعلاقات الدولية والاتفاقات والمعاهدات وكل ما يتعلق بها من مباحثات ودراسات.
وتحت بند سري أوردت المادة (6/أ) من القانون أية معلومات هامة يؤدي إفشاء مضمونها لأشخاص لا تقتضي طبيعة عملهم الاطلاع عليها إلى تهديد سلامة الدولة أو تسبيب أضراراً لمصالحها، أو تكون ذات فائدة كبيرة لأية دولة أجنبية أو جهة أخرى.
أما تحت بند محدود فقد أدرج القانون في المادة (8/أ) أية معلومات يؤدي إفشاؤها إلى أشخاص غير مصرح لهم بالاطلاع عليها إلى أضرار بمصالح الدولة أو يشكل خرقاً لها أو تنجم عنه صعوبات إدارية أو اقتصادية للبلاد أو ذات نفع لدولة أجنبية أو أية جهة أخرى، قد يعكس ضرراً على الدولة، وقد صنفت محكمة التمييز الاردنية أسئلة امتحانات الثانوية العامة ضمن أسرار الدولة بدرجة محدود، إلا أنها لم تعتبر واقعة سرقة أسئلة الثانوية العامة مما يشكل خطراً على سلامة الدولة وأمنها الداخلي ا و الخارجي، لذلك لم تعتبر هذه الأسئلة وثيقة محمية بالمعنى الوارد في قانون حماية أسرار ووثائق الدولة(14).

أما الفقرة (ب) من المادة ذاتها فقد شملت بالصفة ذاتها أية وثائق تتعلق بتحقيق إداري أو جزائي أو محاكمات أو عطاءات وشؤون مالية أو اقتصادية عامة، ما لم يؤذن بنشرها، والفقرة (د) من نفس المادة التي تحدثت عن التقارير التي من شان إفشاء مضمونها إحداث تاثير سيء على الروح المعنوية للمواطنين ما لم يؤذن بنشرها.
وقد فرض القانون عقوبات جنائية قاسية لمن يخالف أحكامه، وعد ما خلاف ذلك، وثائق عادية غير أنها محمية بموجب القانون، وذلك بفرض جزاء على الاعتداء عليها بأحد الأفعال الواردة في النص بما في ذلك إفشاء مضمونها، ويلاحظ أن المشرع في هذا القانون، قد وسع النطاق الشخصي لحماية الوثائق الواردة فيه، فلم يقصره على الموظف العام، بل شمل بحكمه المسؤول الذي يعمل في القطاع الخاص أو الأهلي، بحسب تعبيره.

ثالثاً: مسوغات كتمان السر الوظيفي
يسوغ التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة بما يلي:

  • 1. المصلحة العامة: توجب المصلحة العامة على الموظف كتمان ما يطلع عليه من أسرار، لما يؤدي إليه إفشاؤها من مخاطر تهدد أمن الدولة والنظام العام وتسيير المرافق العامة، وقد ينجم عنها أضرار بالغة الخطورة على الدولة والمجتمع كأسرار الدفاع، فضلاً عن تأثيرها على علاقة الثقة بين المواطن والإدارة، إذ أن مصلحة الدولة تقتضي المحافظة على الأسرار الوظيفية كي لا يتهرب المواطن من الكشف عن البيانات الضرورية لمختلف أعمال الإدارة(15)، كتلك الخاصة بالعمليات الإحصائية مثلاً، وحتى لا يعطي للدول معلومات غير صحيحة خوفاً من استعمالها في أغراض أخرى كفرض الضرائب مثلاً.
  • 2. مصلحة الأفراد: يطلع الموظف العام بحكم وظيفته على كثير من المعلومات الخاصة والسرية المتعلقة بالأفراد سواء عن حالتهم الشخصية أو العائلية أو المرضية أو المالية إلى غير ذلك، كالطبيب والقاضي وموظف الضريبة، ورجل الشرطة، وقد تتعلق هذه الأسرار بأشخاص هم زملاء له بالعمل، لذا وجب عليه كتمانها وإلا عرض نفسه للعقوبة، فقد حكم بأن قيام الطبيب بإفشاء معلومات تتعلق بواقعة إنهاء عقد زميل له من قبل الهيئة التي يعمل بها، يعد فعلاً مبرراً لعقابه، لأن القانون يمنع الطبيب من إذاعة أية معلومات تتعلق بزميل له أو التشهير به، أو الانتقاص من كفاءته المهنية(16)، وكذلك الحال بالنسبة إلى موظف البنك فيما يتعلق بإرصدة العملاء، ونظراً لأهمية هذه المسوغات نجد ان تشريعات الوظيفة العامة تؤكد على ان هذا الالتزام يظل قائماً حتى بعد انتهاء علاقة الموظف العام بالوظيفة، وهو من الالتزامات الوظيفية النادرة التي تستمر لما بعد انتهاء العلاقة الوظيفية(17).

المطلب الثالث: الجهات التي يلتزم الموظف في مواجهتها بالكتمان

لقد تباينت مواقف التشريعات واتجاهات الفقه بصدد الجهات التي يجب على الموظف أن يلتزم في مواجهتها بكتمان أسرار الوظيفة، فالقانون الفرنسي يحظر على الموظف الكشف عن أية أوراق أو مستندات تتعلق بالإدارة إلى الغير(18)، والقانون المصري ألزم الموظف بكتمان الأسرار الوظيفية في مواجهة كل من هو غريب عن الإدارة التي يعمل لديها ذلك الموظف. والغير قد يكون من الأفراد أو المؤسسات أو الهيئات العامة أو الخاصة، بل أن الموظف ملزم بكتمان الأسرار حتى في مواجهة الأفراد العاملين معه في نفس الجهة الإدارية، طالما لا يحق لهم الاطلاع على هذه الأسرار، ومن باب أولى لا يجوز للموظف إفشاء السر إلى العاملين في جهة إدارية أخرى(18). وهذا التفسير هو ما أخذ به مجلس الدولة المصري منذ زمن بعيد عندما أفتى بأنه ( لا يجوز لمصلحة الضرائب إفشاء أسرار الممولين ولو لجهة حكومية أخرى، الا إذا نص قانون على ذلك صراحة. ولما كان ما تطلبه إدارة المخابرات العامة في الظروف العادية من بيانات عن الممولين سواء كانوا أشخاص طبيعيين أم معنويين هو من قبيل الإفشاء بسر من شخص اؤتمن عليه بحكم عمله أو صناعته، فإن مراعاة سر المهنة والمصلحة العامة يقتضي عدم إعطاء مندوبي المخابرات العامة ما يطلبون من بيانات عن شركات أو أفراد حصلت عليها المصلحة بحكم وظيفتها )(19).

من جهة أخرى، تذهب بعض الآراء إلى أن السرية لا تقوم في علاقة الموظف برؤسائه، لذلك فإن عليه أن يخطر رؤسائه بما أؤتمن عليه أو اطلع عليه بحكم وظيفته(20)، وهذا ما لا يسعنا الاتفاق معه على إطلاقه لأنه إذا كان من مقتضى السلطة الرئاسية، أن يكون للرئيس حق الرقابة على شخص المرؤوس وعلى أعماله. فإن هذه السلطة لا تخوله- كما نعتقد- حق الاطلاع على ما قد يتحصل عليه المرؤوس من أسرار تتعلق باختصاصه وطبيعة وظيفته وليس للرئيس الإداري استناداً إلى سلطته الرئاسة أن يجبر المرؤوس على إفشاء تلك الأسرار، لا بل أن قيام المرؤوس بإفشاء تلك الأسرار ولو إلى رئيسه من دون أن يكون مضطراً إلى ذلك او لمسوغ القانوني، يمكن أن يعرضه للمساءلة التأديبية. لأن عدد غير قليل من الموظفين العموميين يعملون باستقلال ومهنية كالقضاة وأساتذة الجامعات والأطباء وغيرهم، وهؤلاء قد تصل إلى علمهم – بحكم طبيعة وظائفهم وظروف أدائهم لها- بعض الأسرار فلا يكونون مضطرين إلى الإفضاء بها إلى رؤسائهم الإداريين.

أما بالنسبة إلى التشريع الأردني، فنجد أن هنالك الكثير من النصوص التي وسعت نطاق الحظر ليشمل أية جهة إدارية أو عامة بنص صريح، منها ما ورد في المادة (11) من قانون الإحصاءات العامة التي حظرت على دائرة الإحصاء وعلى أي من العاملين فيها اطلاع أي شخص أو جهة عامة أو خاصة عليها. وما ورد في المادة (17) من نظام موظفي هيئة مكافحة الفساد التي توجب على الموظف الالتزام بالمحافظة على السرية المطلقة فيما يتعلق بعمله في الهيئة أو بعمل الهيئة بوجه عام، وتحظر عليه نقل أي معلومات عن اعمال الهيئة إلى الغير بما في ذلك الدوائر الحكومية ووسائل الإعلام. وهو ما سبق ونصت عليه الفقرة (أ) من المادة (20) من قانون هيئة مكافحة الفساد التي حظرت نقل أي معلومات عن أعمال السلطة إلى الغير، وقد جاءت كلمة الغير مطلقة في هذا النص لتشمل جميع الجهات إدارية كانت أم غير إدارية، وهو ما أكدته المادة (17) من النظام المشار إليها آنفاً. ومن النصوص الأخرى ما ورد في المادة (22) من نظام موظفي هيئة تنظيم الطيران المدني رقم (16) لسنة 2009 التي أخذت بالاتجاه ذاته.

فضلاً عن ذلك، فإن المشرع الأردني يحظر على الموظف العام إفشاء أسرار الوظيفة العامة حتى أمام القضاء إلا في أحوال محددة، وبناءً على نصوص قانونية خاصة أو بموافقة الجهة الإدارية التي يعمل لديها فعلى سبيل المثال، لم يجز قانون البينات لسنة 1952 للموظفين والمستخدمين والمكلفين بخدمة عامة، أن يشهدوا ولو بعد تركهم العمل بما يكون قد وصل إلى علمهم أثناء قيامهم بالعمل من معلومات لا يجوز إفشاؤها إلا بقرار من المحكمة كما لم يجز أن يشهد أحد ولو لم يكن موظفاً عاماً، على معلومات أو مضمون أوراق تتعلق بشؤون الدولة، إلا إذا كانت قد نشرت بالطريق القانوني، أو كانت السلطة المختصة قد أذنت في إذاعتها (المادتان 35 و36 من القانون) 0

المبحث الثاني: الأساس القانوني للالتزام بعدم افشاء الأسرار وعلاقته بالتزامات الموظف الأخرى

يثير الالتزام بعدم افشاء الاسرارالتساؤل عن اساسه القانوني ,ومدى ارتباطه بالتزامات الموظف الاخرى, وهو ماندرسه في المطلبين التاليين0

المطلب الأول: الأساس القانوني لالتزام الموظف بعدم إفشاء أسرار الوظيفة

يكاد يجمع الفقه والقضاء الإداريين على أن علاقة الموظف العام بالدولة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والأنظمة، وذلك بعد أن تراجعت الآراء التي كانت تكيف تلك العلاقة بأنها علاقة تعاقدية، ومن مقتضى العلاقة التنظيمية أن يكون الموظف العام في مركز تنظيمي يخضع لما تفرضه القوانين والأنظمة من احكام تتعلق بحياته الوظيفية. فهي التي تحدد بأداة قانونية عامة وبغض النظر عن صفة شاغل الوظيفة العامة حقوقه والتزاماته، ومن بين تلك الالتزامات، عدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة، وبالتدقيق في الأساس التشريعي لهذا الالتزام نجد أن مصدره يتحدد بما يلي:

  • 1. الدستور:
    تسمو بعض الدولة بواجب المحافظة على الأسرار إلى مرتبة النص الدستوري تعبيراً عن مدى خطورة وأهمية هذا الالتزام، وهو ما سلكه الدستور المصري لسنة 1971 عندما نص في المادة (60) على أن الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار ا لدولة واجب على كل مواطن، ويلاحظ أن هذا النص الدستوري قد وسع النطاق الشخصي للالتزام بأن جعله واجباً على كل مواطن، لكنه ينطبق على الموظف العام من باب أولى.
    من جهة أخرى، تؤكد العديد من الدساتير، ومنها الدستور الأردني على هذا الالتزام بصورة غير مباشرة، عندما تنص على سرية المراسلات وهو ما نص عليه الدستور الأردني في المادة (18).
  • 2. القانون:
    تنص قوانين الوظيفة العامة عادة على هذا الالتزام، وغالباً ما تدخله في نطاق الإلتزامات السلبية اوالمحظورات على الموظف والمحظور هو ما طلب المشرع تركة على سبيل الإلزام، وقد نصت على هذا الإلتزام المادة (10) من قانون الوظيفة العامة الفرنسي لسنة 1959 والمادة (26) من قانون حقوق وواجبات الموظفين الصادر في 13 تموز 1983 كما أخذ به قانون العاملين المدنين في الدولة المصري رقم (47) لسنة 1978.(21)
    أما المشرع الأردني، فقد أورد هذا الالتزام في عدد غير قليل من القوانين الخاصة سواء تعلقت بالوظيفة العامة بشكل مباشر ا وغير مباشر، من ذلك ما ورد في المادة (21/أ) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006، وما جاء في المادة (19) من قانون الإحصاءات العامة المؤقت رقم (38) لسنة 2003 وما نصت عليه قوانين أخرى كثيرة منها قانون اشهار الذمة المالية رقم (51) لسنة 2006 وقانون الأمن العام رقم (38) لسنة 1965 وغيرها.
  • 3. النظام:
    قد يرد الالتزام بعدم إفشاء الأسرار في أداة أدنى من القانون أحياناً وهي النظام، وقد تأتي بعض هذه النصوص النظامية لكي تؤكد ما ورد في القانون من نصوص، ويزخر التشريع الأردني بهذه النصوص، منها على سبيل المثال نظام هيئة تنظيم الطيران المدني رقم (16) لسنة 2009، ونظام موظفي مجلس الوزراء رقم (79) لسنة 2004 ونظام موظفي هيئة مكافحة الفساد رقم (92) لسنة 2007 وغيرها.
    على أن ما يلفت النظر حقاً، هو خلو نظام الخدمة المدنية وهو التشريع الرئيس الذي يحكم الوظيفة العامة في الأردن من أي نص يحظر على الموظف إفشاء أسرار الوظيفة العامة، أسوة بما نصت عليه أنظمة الخدمة المدنية السابقة، ولكنه حظر على الموظف الاحتفاظ خارج مكان العمل بأي وثيقة رسمية أو نسخة أو صورة عنها، وهو ما نصت عليه بالتفصيل المادة (68) من النظام، وهذا النص لا يمكن أن يعوض- كما نرى -النقص المشار إليه(22).
  • 4. التعليمات الإدارية:
    تعد التعليمات الإدارية مصدراً من مصادر المشروعية، ويتعين احترامها من قبل المخاطبين بأحكامها من الموظفين العموميين، ومن أمثلة التعليمات الإدارية التي نصت على هذا الالتزام، تعليمات هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي رقم (20) لسنة 2007 وذلك في المادة (11).
  • 5. مصادر أخرى:
    إن التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة، يمكن أن يجد أساسه في مصادر أخرى، كالعرف الإداري(23)، وأخلاقيات الوظيفة العامة، وما أكدته مدونة قواعد السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة في الأردن في المادة (6/أ/6) من وجوب كتمان تلك الأسرار.
    وأخيراً لا بد لنا من الإشارة إلى أن هنالك بعض الأنواع من الأسرار كتلك المتعلقة بالتبرع بالأعضاء البشرية والتلقيح الصناعي وغيرها، تخضع للسرية بموجب مواثيق دولية أو إقليمية مثل ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي لعام 2000 واتفاقية داوفيدو المتعلقة بحقوق الإنسان والطب الحيوي لعام 1997.(24)

المطلب الثاني: علاقة التزام الموظف بالكتمان بالتزاماته الأخرى

تتعدد وتتنوع التزامات الموظف الوظيفية ،فمنها مانص عليه القانون ومنهامالم ينص عليه0 ومنها ماهو ايجابي يتعين عليه القيام به، ومنها ماهو سلبي او محظوريمتنع عليه ان يفعله 0 واذا كان الالتزام بعدم افشاء اسرار الوظيفة العامة هو أحدالمحظورات على الموظف ،فان هذا الالتزام يتكامل مع ألتزاماته الاخرى،خصوصا وان القصد من فرضه يتقارب او يشترك مع ماقصده المشرع من فرض الالتزامات الاخرى0 وبغية توضيح ذلك نبحث فيما ياتى العلاقة بين الالتزام بالكتمان واهم واجبات الموظف العام الاخرى فيما يلي 0

أولاً: الواجبات الايجابية

  • 1- واجب طاعة الروؤساء
    يلتزم الموظف العام بمقتضى واجب الطاعة ، ان يحترم وينفذ مايصدر اليه من اوامر من روؤساءه الاداريين في حدود ما يقتضيه تنفيذ هذا الواجب . وهو ما نصت عليه تشريعات الوظيفه العامة المقارنه كالقانون الفرنسي والمصري والعراقي ونظام الخدمة المدنية الاردنيه . لذلك فان صدور امر من الرئيس الاداري بكتمان مااطلع عليه الموظف من معلومه او بيان او وثيقه او غير ذلك بوصفه سرا من اسرار الوظيفة , يوجد على الموظف تنفيذ هذا الامر وعدم افشاء مضمون تلك الاسرار حتى وان لم ينص القانون على كونها كذلك . ويذهب رأي الى ان اسرار الوظيفة لا يجوز افشاؤها في هذه الحالة حتى ولو لم يخش ان يترتب اي ضرر على افشائها, واساس ذلك هو واجب الطاعة(25) وبالمثل فان صدور اذن من الرئيس الاداري بالسماح للمروؤس بالكشف عن مسالة معينة او معلومة او وثيقة اطلع عليها بحكم وظيفته، يمثل وسيلة من وسائل انقضاء التزام الموظف بالكتمان .
  • 2 – واجب التحفظ :-
    إن اداء الموظف لعمله الوظيفي في خدمة الدولة او غيرها من اشخاص القانون العام ،يوجب عليه الحياد والتحفظ ،سواء بالمعنى السياسي او الديني اوالمذهبي ، وهو مااستقرعليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي(26)0
    الا ان هذا الواجب لايتعارض مع حرية الراي او الانتماء الى الاحزاب السياسية اوحرية التعبير عموما ،سواءتم التعبير عن الرأي بالفعل او بالقول او بالكتابة والنشرالى غيرذلك من وسائل التعبير0 مادام ان ذلك كله تم في حدود القانون ولم يترتب عليه اي اخلال بواجبات الموظف الاخرى ايجابية كانت ام سلبية ومنها عدم أفشاء ماأطلع عليه الموظف من خلال عمله او بحكم وظيفته من اسرار . وعليه فأذا كان ماأقدم عليه الموظف من افشاء للأسرار سببه انتماءه الى احد الاحزاب السياسيه , او جرى تحت ضغوط شتى تحقيقا لغايات سياسيه او دينية او غيرها فأنة يكون قد اخل بهذين الألتزامين الوظيفيين في أن واحد . وقد اكد نظام الخدمة المدنيةهذا الواجب في المادة68/ب التي تقضي بوجوب معاملة الجمهور بحيادية وتجرد وموضوعية وعدالة.

ثانيا: الواجبات السلبية

  • 1-عدم الاحتفاظ باية وثيقة رسمية :-
    يتعامل الموظف العام يوميا مع الوثائق الرسمية المختلفة كالاوامر والقرارات والمذكرات والمسودات ومشاريع القوانين والانظمة والقرارات وغيرها وتحظر تشريعات الوظيفة العامة المقارنة على الموظف العام الاحتفاظ باصل اي وثيقة من الوثائق الرسمية او بنسخ او بصور عنها . غير ان المحكمة الادارية العليا في مصر قضت ب (…بانه يجب لقيام هذه المخالفة ان يثبت على وجه اليقين ان العامل قد احتفظ باصول هذه الاوراق الرسمية ولا يكفي لقيام تلك المخالفة مجرد تقديم صور من الاوراق المذنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة…)(27) وهذا القضاء ياتي منسجما مع منطوق النص المصري الذي حظر الاحتفاظ باصول الوثائق الرسمية . ولا شك ان هذا الحكم لا يضفي ما هو مطلوب من حماية ويقصر عن تحقيق ما قصدة المشرع من اهداف . وبالمقارنة مع نص المادة ( 68/ب ) من نظام الخدمة المدنية نجد ان الاخير جاء اكثر شمولا لانه حظر الاحتفاظ باصول الوثائق الرسمية او بصور او بنسخ عنها وتشمل هذه النسخ في تقديرنا النسخ والصور الالكترونية سواء كانت على شكل قرص مدمج او ( C D) او قرص مرن (Floppy) او غير ذلك من الوسائل الالكترونية. كما تحظر التشريعات الوظيفة العامة المقارنة اطلاع اي شخص من خارج الدائرة التي يعمل فيها الوظف على تلك الوثائق او حتى التصريح له عنها . ولا شك ان الغرض من تقرير هذا الحظر هو منع تسرب مضمون هذه الوثائق خارج الادارة وما يترتب على ذلك من افشاء ما تحتويه من معلومات ، سواء تعلقت بالمصلحة العامة ام بمصالح الافراد . وهو ذات ما قصده المشرع من الزام الموظف بكتمان اسرار الوظيفة العامة وان كان الاخير اوسع نطاقا. ومن التشريعات الاردنية التي نصت على هذا الحظر اضافة الى نظام الخدمة المدنية ، قانون الامن العام وذلك في الماده(66)وقانون الاحصاءات العامة المؤقت في الفقرة 2) من المادة (19) ونظام موظفي هيئة تنظيم الطيران المدني رقم 16 لسنة 2006 في المادة (22 فقرة د) . وقد عرفت محكمة القضاء الاداري المصرية الوثائق الرسمية بانها (…الاوراق المتعلقة بالعمل الحكومي ) (28) .امامحكمة العدل العليافقد قضت بأن( قيام موظف الجامعة بتصوير وثائق واوراق تتعلق بموظفين تم الاستغناء عن خدماتهم مع العلم ان هذه الوثائق لايجوز الحصول عليها من قبل اصحابها لاستخدامها في الدعوى المقامة ضد الجامعة يشكل مخالفة مسلكية 000ويكون عقوبة توجيه الانذار للمستدعي موافقة للقانون وتتناسب مع المخالفة المسلكية المرتكبة ) (29) .
  • 2- عدم العمل خارج اوقات الدوام الرسمي :-
    يلتزم الموظف العام بأن يتفرغ لأداء مهام وظيفتة تفرغا كاملا , فلا يمارس اي عمل اخر الى جانب وظيفتة الا في حدود مايسمح به القانون. ويسوغ ذلك بالحرص على استقلالية الموظف وحسن أداءه لمهام وظيفتة من خلال عدم وجود اي صلة او علاقة قد تربطه بأصحاب المشروعات الحره وبخاصة تلك التي لها صلة بأعمال الجهة الادارية التي يعمل لديها , الامر الذي قد يؤثر على حيدته في القيام بأعمال وظيفته. لذلك فأن القوانين تحظر على الموظف عادة مزاولة اي مهنة اخرى الى جانب وظيفته الاصلية او الاشتغال بالتجارة بطريق مباشر او غير مباشر, او الاشتراك في المزايدات والمناقصات التي تعلن عنها الدائرة بالذات او بالواسطة . وقد حظر نظام الخدمة المدنية بموجب المادة 68/و على الموظف العمل دون أذن مسبق من الجهة المختصة وأشترط لذلك ان يتم العمل خارج اوقات الدوام الرسمي, وان لايكون لدى جهات لها علاقة او مصلحة بعمل الدائرة . ولعل من اهم الدوافع التي حدت بالمشرع الى تقرير هذا الحظر هو الخشية من قيام الموظف بأفشاء ماأطلع عليه من اسرار وتوظيفها لخدمة جهة عمله خارج الادارة.

المبحث الثالث: طرق افشاء وانقضاء السر الوظيفي واثار الافشاء

تتعدد طرق إفشاء السر الوظيفي، و طرق إنقضائه، كماتتعدد الاثار القانونيةالمترتبة على افشاء الموظف لاسرار الوظيفة وهومانبحثه في المطالب الثلاث التالية0

المطلب الأول: طرق إفشاء السر الوظيفي

يمكن للموظف أن يفشي أسرار الوظيفة العامة من خلال وسائل عدة منها:

  • 1. الكلام: ويتحقق عن طريق المشافهة بالحديث أو الخطابة التي توجه إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص أو عدد غير محدد منهم، وقد يكون الكلام مباشراً بين أفراد حاضرين في مكان واحد، كما قد يكون موجها إلى شخص أو أشخاص بعيدين عن الموظف، كما في حالة التصريح إلى وسائل الإعلام كالصحافة ومحطات الإذاعة أو التلفزة الأرضية أو الفضائية أو عن طريق الهاتف. وفي هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن “… الطاعن قد أفضى بأخبار غير صحيحة وبيانات عن أ عمال وظيفته عن طريق إحدى الصحف ودون أن يكون مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص… (وأن) مهمته كمراسل لجريدة… لا يجوز أن تحول دون التزامه كموظف عام بما فرضه عليه نظام العاملين المدنيين بالدولة من محظورات من بينها أن يفضي بأخبار أو بيانات عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف ما لم يكن مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص”(30)، والمرجع في اعتبار ما نشره الموظف من معلومات سري أو غير سري ليس هو الموظف، بل جهة الإدارة، وفي ذلك تقضي المحكمة الإدارية العليا بأن “لا عبرة لما يدعيه المتهم… من أن البيانات والمستندات التي نشرها بالمقال موضوع المخالفة ليست سرية وإنما يمكن الاطلاع عليها كما يمكن للمقاولين شراءها، لا عبرة بذلك لأن القول بسرية البيانات من عدمه إنما يرجع إلى جهة الاختصاص التي لها القول الفصل فيما إذا كان بيان ما سريا من عدمه”(31).
  • 2. الكتابة: وقد تتم بخط اليد أو بآلات الطباعة المختلفة كالآلة الكاتبة أو الفاكس أو التلكس أو الحاسوب أو الهاتف النقال أو عن طريق الانترنت كما يشمل أيضاً الرسوم المختلفة التي يمكن أن تحتوي وثائق متعددة كالرسائل أو المطبوعات المتنوعة من صحف ومجلات وكتب وملصقات.
  • 3. الصور: بمختلف أشكالها الثابتة منها (الفوتوغرافية) والمتحركة (اشرطة الفيديو) والسينما وصور التلفاز والصور الرقمية، والخرائط.
    ولا شك أن ثورة الاتصالات، وما نجم عنها من توفر وسائل اتصال حديثة وسريعة أدت إلى إتاحة فرص وأشكال أكثر تنوعاً لإفشاء الأسرار وإيصالها إلى الآخرين بسرعة فائقة سواء عن طريق مواقع الانترنت أو المدونات أو غرف الدردشة، أو البريد الإلكتروني، أو الرسائل القصيرة على الهاتف الجوال وغير ذلك مما ستسفر عنه التطورات التقنية مستقبلاً.

المطلب الثاني: انقضاء التزام الموظف بعدم إفشاء الأسرار

يبقى التزام الموظف بالحفاظ على أسرار الوظيفة ولا ينتهي حتى بعد انتهاء علاقة الموظف بالإدارة وهو من الالتزامات الوظيفية النادرة التي تستمر لما بعد انتهاء العلاقة الوظيفية، ويعود ذلك إلى أن الوقائع والمعلومات التي تصل إلى علم الموظف تعد أسرار بطبيعتها أو بإرادة ورغبة الرؤساء الإداريون. وخروج الموظف من الوظيفة لا يعدل من صفة هذه الأسرار(32)، ورغم ذلك، فإن للموظف الحق في إفشاء السر في الحالات الآتية(33):

  • 1. وجود نص قانوني صريح: قد يوجب المشرع بنصوص خاصة على الموظف تزويد جهات محددة ترد في النص بمعلومات أو بوثائق أو ببيانات معينة عند طلبها، في هذه الحالة يتوجب على الموظف إعطاءها ولو تضمنت أسرار وظيفية، وإلا تحققت مسؤوليته القانونية في ذلك، ما ورد في المادة (21) من قانون ديوان المظالم رقم ( 11) لسنة ( 2008 ) التي تنص على ما يلي: “على جميع الموظفين في الإدارة العامة تسهيل مهمة الديوان وتزويده بالمعلومات والوثائق المطلوبة وذلك تحت طائلة المسؤولية التأديبية والجزائية، وهو ما تنص عليه المادة (17) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم ( 62 ) لسنة ( 2006).
  • 2. الحصول على إذن من الرئيس الإداري: فإذا حصل الموظف العام على إذن من رئيسه يجيز له إفشاء ما اطلع عليه من أسرار أو التصريح بذلك إلى وسائل الإعلام أو أية جهة أخرى، وكان الإذن خطياً، فلا مسؤولية على الموظف في هذه الحالة(34).
  • 3. موافقة الجهة الإدارية المختصة: قد يحظر المشرع كأصل نشر بعض المعلومات أو البيانات ذات الصفة السرية إلا أنه يجيز للجهة الإدارية إعطاء الموافقة، أو الترخيص بالنشر، ففي هذه الحالة ترتفع السرية سواء كان المصرح له بالنشر موظفاً أم غير موظف، وفي هذا الصدد قضت محكمة العدل العليا بما يلي” ويستفاد من المادة (40/أ/2) من قانون المطبوعات والنشر رقم (10) لسنة 1993 التي تنص على ان ( يحظر على المطبوعة أن تنشر أي معلومات عن عدد القوات المسلحة الأردنية أو أسلحتها أو عتادها أو أماكنها أو تحركاتها إلا إذا أجيز نشرها من مرجع مسؤول في القوات المسلحة الأردنية، أو أي خبر أو رسم أو تعليق يمس القوات المسلحة والأجهزة الأمنية )، إن ما استوجب القانون إجازته من مرجع مسؤول في القوات المسلحة الأردنية محصور فقط في أي معلومات عن عدد القوات المسلحة الأردنية أو أسلحتها أو عتادها أو أماكنها أو تحركاتها فقط ولا يشمل الخبر والرسم والتعليق الذي يمس القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية لأن هذه الأمور من الجرائم التي يعاقب مرتكبوها بالعقوبات التي نص عليها القانون”(35).
  • 4. إذا فقد الموضوع سريته، إما لصيرورته معروفاً وشائعاً بطبيعته، أو لإلغاء القرار الذي فرض عليه السرية(36).
  • 5. إذا كان من شأن إفشاء السر منع ارتكاب جريمة، إذ يلزم قانون أصول المحاكمات الجزائية كل موظف اكتشف جريمة أثناء قيامه بوظيفته أن يبلغ عنها الدوائر القضائية.
  • 6. إذا لم يكن من شأن إفشاء السر الوظيفي الأضرار بمصلحة صاحبه سواء كان جهة إدارية أم شخصاً معنوياً خاصاً أم شخصاً طبيعياً، وذلك لانعدام علة حظر إفشاء السر، وهي الضرر فلا تقوم هنا ضرورة للمحاسبة على الإفشاء، وللقضاء عند نظر القضية سلطة تقدير وجود أو تخلف الضرر.

المطلب الثالث: الآثار المترتبة على إفشاء أسرار الوظيفة العامة

يترتب على قيام الموظف بإفشاء أسرار الوظيفة العديد من الآثار القانونية فقد تتحقق مسؤولية الموظف التأديبية، ويمكن مساءلته مدنياً وحتى جزائياً، كما قد يؤثر هذا التصرف على الإدارة ذاتها، وهو ما نوضحه في البنود التالية0

أولاً: المسؤولية التأديبية
إن فعل الموظف المتمثل بإفشاء أسرار الوظيفة العامة يمثل خطأ تأديبياً لأنه ينتهك الحظر الذي فرضه القانون على تلك الأسرار، ومن ثم فللسلطة التأديبية المختصة فرض الجزاء التأديبي المناسب وفق سلطتها التقديرية، على أن توفر له الضمانات التأديبية.
وتخضع القرارات التأديبية التي تصدرها الإدارة بحق الموظف بسبب مخالفته لهذا الالتزام إلى رقابة القضاء الإداري الذي له سلطة الرقابة على تقدير الإدارة لمدى كون ما أفضى به الموظف ذو طابع سري أم لا، وما إذا كان قد يترتب على إفشاءها ضرر للإدارة أو أنه فوت عليها مصلحة أو أضر بمصلحة الأفراد باعتباران ذلك الفعل إنما يمثل ركن السبب في القرار الإداري، ليحكم في ضوء ما يتراءى له بمشروعية أو عدم مشروعية القرار التأديبي، ومن أحكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد حكمه في قضية الآنسة (Faucheux) التي كانت تعمل بوظيفة سكرتيرة بوزارة البحرية التجارية، وفي الوقت ذاته كانت ممثلة نقابية لموظفي نقابة البحرية التجارية، حيث ذهب المجلس الى مشروعية قرار الإدارة المتضمن توقيع جزاء تأديبي عليها لقيامها بنشر بيان في اللوحة المخصصة للإعلانات النقابية كشفت فيها عن مشروع بتعديل ساعات العمل بالنسبة إلى العاملين في تلك الوزارة، كان قد وقع في يدها خلال تداوله بين الإدارات في مرحلة إعداده، ولكن دون أن تكون من بينها الإدارة التي تعمل بها، وقد دعت زملائها إلى الاعتراض على هذا المشروع، لقد عد مجلس الدولة قيامها بهذا التصرف إخلالاً بالالتزام بالكتمان المفروض عليها بحكم وظيفتها(37). كما ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى أن “… القول بسرية البيانات من عدمه إنما يرجع إلى جهة الاختصاص التي لها القول الفصل فيما إذا كان بيان ما سريا من عدمه، وهي بذلك تسلط رقابتها على سبب القرار التأديبي ومحله.(38)”
أما محكمة العدل العليا، فقضت في نطاق رقابتها لمشروعية القرار التأديبي أن “اعتراف موظف جامعة البلقاء أمام لجنة التحقيق أنه قام بتصوير بعض الوثائق والأوراق التي تخص الجامعة وأنه سلمها إلى إحدى المجلات وإصراره على أن هناك فساد مالي وا داري في الجامعة وأدى نشرها إلى الإساءة إلى سمعة الجامعة والعاملين فيها يجعل من قرار رئيس الجامعة بالاستغناء عن خدمات المستدعي… متفقاً وأحكام القانون، لأن الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة عامة وأن الخروج عن أخلاقيات الوظيفة يستوجب المساءلة وأن من أولى واجبات الموظف القيام بواجباته الوظيفية بكل أمانة وإخلاص والحرص على التقيد بالتعليمات والأنظمة، ومن هذه التعليمات عدم إفشاء أسرار المرفق العام الذي يعمل به وبذلك يكون القرار الطعين قام على سبب يبرر إصداره “(39)، يلاحظ أن المحكمة ترد أساس الالتزام بعدم إفشاء الأسرار إلى أخلاقيات الوظيفة العامة، إلى جانب النصوص القانونية التي تحظر ذلك، كما تسلط رقابتها على الوقائع المادية التي كونت سبب القرار، وفي قضية أخرى راقبت محكمة العدل العليا ركن الاختصاص في القرار التأديبي الصادر بحق الموظف فقضت بأن “لرئيس جامعة مؤتة فرض أية عقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المادة (43) من نظام موظفي الجامعة بحق أي موظف من موظفي الجامعة باستثناء الاستغناء عن الخدمة والعزل… وعليه فإن توجيه رئيس الجامعة الإنذار الثاني للمستدعي لقيامه بنشر معلومات حصل عليها بحكم موقعه ا لوظيفي في جهاز الرقابة بالرغم من سرية المعلومات طبقاً لنص المادة (37) من النظام المالي لجامعة مؤتة لسنة 1987 لا يخالف القانون “(40).

ثانيا: المسؤولية الجنائية
سبق وبينا أن من مسوغات التزام الموظف بعدم افشاء أسرار الوظيفة تحقيق المصلحة العامة ومصلحة الأفراد، لذلك فإن المساس بهذه المصالح يعرض مرتكبها إلى الجزاء الجنائي، باعتبار أن فعله يمثل جريمة جنائية. وهو ما ذهب إليه كل من القانون الفرنسي(41) والمصري(42) حيث جرما هذا الفعل بنصوص صريحة، إما المشرع الأردني فقد فرض عقوبات جزائية على هذا الفعل في اكثرمن قانون ،فقد عاقبت المادة (355) من قانون العقوبات بالحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات كما اورد المشرع عقوبات مختلفة للفعل ذاته في قوانين خاصة عديدة منها على سبيل المثال قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون ضريبة الدخل وقانون هيئة مكافحة الفساد وقانون الخدمات البريدية رقم (34) لسنة 2007 وغيرها0
ويكفي لوقوع جريمة إفشاء أسرار الوظيفة العامة أن تكون للفاعل صفة الموظف العام وقت ارتكاب الفعل، أو كانت قد ثبتت له هذه الصفة قبل ارتكابها، بوصفها تمثل الركن الخاص في هذه الجريمة(43)، ولا شك أن تعريف الموظف العام في القانون الجنائي أوسع مما هو عليه في القانون الإداري، فمن يشترك في أداء السلطة العامة يعد موظفاً في مفهوم المشرع الجنائي بصرف النظر عن توفر شروط الموظف العام التي يستوجبها القانون الإداري (44) وهو ما أخذ به المشرع الأردني في المادة (169) من قانون العقوبات.

وينتقد بعض الفقهاء هذا الاتجاه لأنه ينال من المعنى الاصطلاحي المتعارف عليه للموظف العام(45)، ولكننا نعتقد بضرورة هذا التوسع لإضفاء أكبر غطاء ممكن من الحماية للموظف العام وللإدارة العامة من جهة، وحماية هذه الإدارة والمجتمع من انحرافات العاملين في الإدارة العامة من جهة أخرى.
وإضافة إلى الركن الخاص في هذه الجريمة، لا بد من توفر القصد الجرمي الخاص، إذ ترى محكمة التمييز بصفتها الجزائية “أن القصد الجرمي في جريمة إفشاء المعلومات السرية لمنفعة دولة أجنبية يثبت في أغلب الأحيان من الأعمال التي تبدو من مرتكب هذه الجريمة، فأجابة المتهم على الأسئلة التي توجه إليه بإجابات تتضمن معلومات لا يفترض فيه أن يكون مطلعاً عليها كمواطن عادي، وكان بإمكانه كتمانها د ون أن يعرض نفسه لأي نقد أو ملامة، دليل كاف على وجود القصد من هذه الجريمة “(46)، وغني عن البيان أن الحكم بالعقوبة الجزائية بوصفها عقوبة أصلية تستتبع عقوبات تبعية وظيفية مثل الاستغناء عن الخدمة أو العزل من الوظيفة أو الحرمان من الحقوق والمزايا وفي ذلك تقرر محكمة العدل العليا “… أن المستدعي أفشى معلومات تحمل درجة سري للغاية وصلت إلى حيازته وعلمه بحكم وظيفته. فيكون بالتالي القرار المطعون فيه بحرمان المستدعي من كافة حقوقه التقاعدية وعدم إعطائه مكافأة له وعدم تخصيص راتب اعتلال لإدانته بتهمة التجسس لمنفعة دولة أجنبية متفق وأحكام القانون والدعوى مستوجبة الرد”(47).

ثالثا: المسؤولية المدنية
سبق وبينا أن إفشاء الموظف لأسرار الوظيفة العامة، يمثل إخلالاً بأحد التزاماته الوظيفية، وهذا الإخلال يكون خطأ شخصياً من جانبه، فإذا ترتبت عليه أضرار مادية أو أدبية لحقت بالغير، فإنه يكون مسؤولاً عن تعويض هذه الأضرار سواء كان هذا الغير الإدارة ذاتها أم الأفراد. وا لمسؤولية هنا هي مسؤولية تقصيرية تستند إلى المادة (256) من القانون المدني الأردني. ولا يهم بعد ذلك صورة هذا الخطأ. فالموظف يلزم بالتعويض إن كان ما قام به من إفشاء لأسرار الوظيفة عن عمد أو إهمال أو تقصير، وهذه المسؤولية يمكن أن تقوم أثناء وجود الموظف في الخدمة أو بعد انتهائها.
وفي نطاق التشريع الأردني يلاحظ وجود بعض النصوص الخاصة التي أكدت صراحة حق المضرور في المطالبة بالتعويض من ذلك ما جاءت المادة (85) من قانون الاتصالات، رقم (17) لسنة 1995 التي تنص على أن “لا تحول المواد السابقة دون حق المتضرر في المطالبة بالتعويضات والحق الشخصي عن أي مخالفة لأحكام هذه المواد”، بينما تذهب تشريعات أخرى إلى إلزام الموظف بالتوقيع على تعهد يلتزم بموجبه بعدم إفشاء ما اطلع عليه من أسرار محددة بحكم وظيفته، من ذلك ما ورد في الفقرة (ج) من المادة (11) من قانون الإحصاءات العامة التي تنص على أن “يتعين على كل موظف في الدائرة أداء القسم والتوقيع على تعهد يلتزم بموجب بعدم إفشاء ونشر أي معلومات أو بيانات إفرادية” وهذا التعهد يمثل أساساً قانونياً صالحاً لمطالبة الموظف بالتعويض المدني في حالة مخالفته بوصفه التزاماً شخصياً.
وأخيراً فإن آثار إفشاء أسرار الوظيفة العامة، قد تتعدى الموظف لتطال الإدارة إذ يمكن مساءلة الإدارة مدنياً عن تعويض الأضرار المترتبة على فعل الموظف، إذا كان ما قام به الموظف يمثل خطأ مرفقياً وليس خطأ شخصياً، وللقاضي سلطة تقديرية في تكييف طبيعة هذا الخطأ وله أن يستعين بما وضعه الفقه والقضاء من معايير للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي(48).
من جهة أخرى فإن القرار الإداري المبني على هذا التصرف المخالف للقانون، أي الذي استند إلى إجراءات أو أعمال أو وثائق أو دراسات أو مشاريع قرارات تم إفشاؤها قد عده مجلس الدولةالفرنسي قراراً معيباً مستحقاً للإلغاء(49) ، والعيب هنا هو عيب مخالفة القانون لتعلقه بركن المحل في القرار الإداري.

المبحث الرابع: الالتزام بالكتمان ومبادىء الشفافية والحصول على المعلومات

اذا كان مبدأ المشروعية هو المبدأ الذي يحكم اعمال الدولة الحديثة ,فأن الشفافية اصبحت احدى المقومات الاساسية للحكم الرشيد وشرط ضروري للتنمية المستدامة,لذلك فأن الاتجاهات الحديثة في الادارة تنظر الى السرية في اعمال سلطات الدولة وبخاصة الادارية ,على انها استثناء محدود وموقوت قابل للانتقاص يوما بعديوم لصالح الشفافية 0 لماينجم عن السرية من مساؤىء كثيرة , منها تعثر التنمية وانتشار الفساد الاداري وضعف الرقابة على اعمال الادارة واهدار المال العام وانتهاك حقوق الافراد0 عليه فلاعجب ان قلبت تلك الاتجاهات الاية لتصبح العلانية هي القاعدة والسرية هي الاستثناء (50) ومما عزز ذلك اي العزوف عن السرية , ماشهده العالم من ثورة تقنية هائلة وتطورات علمية مذهلة في شتى المجالات, وبخاصة في حقل الاتصالات وفي اساليب جمع وتخزين وتنظيم المعلومات , فضلا عن الانفتاح الاداري والحكومي على الافراد الذي اصبح المبدأ الذي يحكم العلاقة بين الدولة والافراد(51)0 لقد كان لهذه التطورات وغيرها اثارها المهمة على اعمال السلطة الادارية, فقد اضافت حزمة من الالتزامات الوظيفية الجديدة على عاتق العاملين في الادارة العامة,من اهمها مراعاة مبدا الشفافية في العمل الاداري , وضمان حق الافراد والجهات الادارية في الحصول على مايريدون من معلومات, على ان مايهمنا هنا هو بيان العلاقة بين هذه الالتزامات والحظر المفروض على الموظف في افشاء اسرار الوظيفة العامة وهو مانبحثه في مطلبين متتاليين 0

المطلب الأول: التزام الموظف بالكتمان ومبدا الشفافية

في نظام الخدمة المدنية لقد خطا المشرع الاردني خطوات واسعة وجريئة في مسايرة الاتجاهات الحديثة معتمدا مبدأ الشفافية في عدد من المجالات الادارية0 ومن النصوص المهمة في هذا الصدد نشير الى ماورد في المادة (67) من نظام الخدمة المدنية التي اوجبت في الفقرة (و) منها على الموظف ( التحلي بالصدق والشجاعة والشفافيةفي ابداء الرأي والافصاح عن جوانب الخلل والابلاغ عنه مع الحرص على التأكد من المعلومات وعدم اغتيال الشخصية ) 0 وفي السياق ذاته قررت الفقرة

(أ)من المادة (161) للمواطن والموظف الحق في التظلم بغية( تعزيز مبدأ الشفافية والعدالة والمساءلة فيما يتعلق بحقوق المواطن والموظف ) 0 واذا كان المسلك الذي اختطه نظام الخدمة المدنية من خلال النصين المشار اليهما هو مسلك محمود ولاشك , الا ان التساؤل الذي يثور هنا هو متى يعد ماقام به الموظف من قبيل الشفافية والشجاعة في ابداء الرأي ومتى يعد مخالفة لالتزامه بعدم افشاء اسرار الوظيفة العامة 0 أعتقد ان الحدود الفاصلة بين هذين الالتزامين غير واضحة 0

لذلك لابد من توفيرضمانات قانونية تحمي الموظف في تنفيذه لتلك الالتزامات وممارسته لتلك الحقوق وتمنع تعرضه للعقوبة , وعلى الاخص بوجود بعض القوانين التي توسع من نطاق السرية الى حد كبير مثل قانون حماية أسرار ووثائق الدولة ,اضافة الى ترك مسالة تقرير مايعد سرا من اسرار الوظيفة وما لايعد كذلك الى تقدير الجهة الادارية ذاتها ,وألى مايراه الروؤساء الاداريون 0

المطلب الثاني: التزام الموظف بالكتمان وحق الحصول على المعلومات

لقد اصبح حق الاطلاع والحصول على المعلومات من الحقوق المهمة سواء للأفراد ام للهيئات والجهات المختلفة بما فيها الجهات الادارية وبخاصة الرقابية منها .أذ كما يقال فأن المجتمع الذي لايطلع جيدا لايمكن ان يكون مجتمعا حرا .وسنبين فيما يلي بعض التشريعات المهمة التي نظمت هذا الحق

اولا-قانون حق الحصول على المعلومات
لقد صدر هذا القانون بهدف ضمان تدفق المعلومات بسهولة ويسر لمن يحتاجها من المواطنين بأعتبار ان الحصول على المعلومة هو جزء من حرية التعبير المكفولة دستوريا . وقد حاول الموازنة بين حق المواطن في المعرفة والاطلاع وحق الدولة في حجب المعلومات التي تمس الامن الوطني او النظام العام. كما ضمن حقوق المواطن من خلال الامتناع عن كشف المعلومات لأسباب تتعلق بالصحة العامة او الأداب العامة او السمعة او الحرية الشخصية. كما فتح القانون باب الطعن امام محكمة العدل العليا برفض طلب الحصول على ا لمعلومة او حجبها وذلك بموجب الفقرة (ا)من المادة (17), وهي ضمانة على جانب كبير من الاهمية .على ان ثمة من ينتقد هذا القانون من وجوة عدة منها مايتعلق بتعريف القانون للمعلومة, وتشكيل مجلس المعلومات ,وغياب ألية واضحة في تصنيف العلومات بأنها سرية,وترك الباب مفتوحا لكل دائرة في أعتبار او تصنيف أي معلومة بأنها سرية , وضمن التكتم عليها رغم أنة لايوجد مايضمن عدم أساءة استعمال هذة الصلاحية. أضافة الى انة أخذ بالاعتبار مانص علية قانون حماية اسرار وثائق الدولة, الذي تكاد نصوصة – كما يرى البعض – تمنع نشر اي معلومة عن اي نشاط او تحقيق او فساد أداري(52)

ثانيا- قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998:-
يعد هذا القانون من القوانين الوثيقة الصلة بألتزام الموظف بعدم أفشاء الاسرار. ومن نصوصة المهمة في هذا الصدد ماجاء في المادة(8) من أن ( للصحفي حق الحصول على المعلومات , وعلى جميع الجهات الرسمية والمؤسسات العامة تسهيل مهمتة واتاحة المجال له للأطلاع على برامجها ومشاريعها وخططها ) ويحظر القانون اي قيود أو أجراءات تعيق حرية الصحافة في ضمان تدفق المعلومات الى المواطن . وهذا النص أذ يضع على عاتق الجهات الادارية ألتزاما أيجابيا بتسهيل مهمة الصحفي في الاطلاع على برامج ومشاريع وخطط تلك الجهات الا انة لايعد كافيا في رأي البعض ,لأن واجب الجهة الادارية يجب ان لايكون مجرد تسهيل مهمتة بل في ضمان الاطلاع على مايريد من برامج ومشاريع وخطط خاصة بالدائرة (53). ونحن نتساءل بدورنا, عن مدى حرية الموظف في اعطاء الصحفي ما يطلبة من معلومات في ضوء ما هو مفروض علية من ألتزامات , ايجابية كانت كواجب التحفظ , ام سلبية كحظر أفشاء اسرار الوظيفة العامة. ومرة اخرى تبدو الحدود الفاصلة بين الالتزامين غير واضحة بل ومتقاطعة.

ثالثا- قانون هيئة مكافحة الفساد وقانون ديوان المظالم :-
من القوانين المهمة التي اوجبت على الجهات الادارية توفير ما هو مطلوب منها من معلومات الى الجهات الادارية المختصة , قانون هيئة مكافحة الفساد الذي نص في المادة (17) على حق الهيئة في سبيل قيامها بمهامها, طلب اي بيانات أو معلومات أو وثائق من أي جهة كانت , وألزام تلك الجهة بالاستجابة للطلب دون أبطاء تحت طائلة المسؤولية القانونية. وما جاء في المادة(21) من قانون ديوان المظالم التي اوجبت على جميع الموظفين في الادارة العامة تسهيل مهمة الديوان وتزويدة بالعلومات المطلوبة. وذلك تحت طائلة المسؤولية التأديبية والجزائية .

وختاما نقول بأن التشريعات المشار اليها وبرغم ما وجهة اليها من نقد فأنها تعمل على حصر نطاق السرية الادارية بحدود ماتقتضية ضرورات حفظ النظام العام وحسن سير المرافق العامة وحماية حقوق الدولة والافراد ومن ثم فأن نطاق التزام الموظف بعدم أفشاء اسرار الوظيفة العامة , يتقلص بالتبعية ومع ذلك نؤكد على ضرورة معالجة ماأثرنا من ملاحظات بخصوص التقاطع بين هذا الالتزام الوظيفي السلبي من جهة ومقتضيات تنفيذ احكام التشريعات المشار اليها من جهة اخرى.

خاتمة

تبين لنا مما سبق من البحث أن إفشاء أسرار الوظيفة العامة يعد واحدا من أهم المحظورات على الموظف العام حيث أجمعت عليه أحكام التشريع وأراء الفقه والقضاء الإداري الأردني والمقارن رغم تباين مواقفها ازاء مضمون هذا الالتزام السلبي ونطاقه وما يرد عليه من استثناءات وما يترتب على مخالفته من أثار قانونيه لقد خلصت هذه الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات في هذا المجال حسبنا أن نبين أبرزها فيما يلي:

أولا- يسري الالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة على الموظف العام أيا كانت الإداة القانونية التي تقلد بموجبها وظيفته أن بقرار أداري أو بعقد توظيف أو بناء على تكليف.
ثانيا- لم يستقر المشرع الأردني على تعريف محدد للسر الوظيفي بل تركه لتقدير الجهات الأداريه المختلفة.
ثالثا- خلا نظام الخدمة المدنية من أي نص يحظر على الموظف إفشاء ما يطلع عليه من أسرار . مكتفيا بالنص على منع الموظف من الاحتفاظ خارج مكان عمله بأي وثيقة أو مخابره رسمية أو نسخه أو صوره عنها أو تسريبها أو التصريح عنها لجهة خارجية ولاشك أن إيراد هذا النص ـ على أهميته ـ لا يغني عن النص الصريح على حظر إفشاء الأسرار الوظيفية.
رابعا- تعددت النصوص القانونية التي تحظر على الموظف إفشاء أسرار الوظيفة وتباينت مراتبها بين دستوريه وقانونية و تعليمات إدارية ، في حين حظر إفشاء أسرار وظيفية او مهنية معينة بموجب مواثيق وإعلانات دولية.
خامسا- بالنظر إلى أهمية بعض الوظائف العامة وخطورة ما قد يطلع عليه الموظف الذي يمارس اختصاصات تلك الوظائف من أسرار فقد أوجبت بعض التشريعات الأردنية على الموظف إن يوقع تعهدا يلتزم بموجبة بعدم إفشاء ما قد يطلع عليه بحكم وظيفته من أسرار، في حين أوجبت تشريعات أخرى إن يؤدي الموظف القسم قبل مباشرة مهام وظيفته بعدم إفشاء ما يطلع عليه من أسرار.
سادسا- لا يمارس القضاء الإداري رقابته على تقدير الإدارة لطبيعة البيانات فيما إذا كانت سرية أم غير سرية إلا من خلال الطعن في القرار التأديبي الصادر بحق الموظف لا خلاله بهذا الالتزام بوصفة يمثل ركن السبب في ذلك القرار.
سابعا- يرتبط التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة مع التزاماته الأخرى الايجابية منها والسلبية ويتكامل معها وبخاصة الالتزام بعدم الاحتفاظ بأي وثيقة من وثائق الدولة أو تسريبها أو التصريح عنها كذلك التزامه بطاعة الروؤساء وبواجب التحفظ والتفرغ للوظيفة العامة لان مخالفة أي من هذه الالتزامات يمكن أن يؤدي إلى مخالفه الالتزام بحظر إفشاء أسرار الوظيفة.

ثامنا- تختلف الجهات التي يلتزم الموظف في مواجهتها بعدم إفشاء الأسرار وذلك بحسب طبيعة وأهمية ونوع الأسرار التي أطلع عليها وطبيعة اختصاصات الوظيفة فقد تقتصر على الجهات التي لا صله لها بالا داره التي يعمل بها الموظف وقد تمتد لتشمل جميع جهات الإدارة بما في ذلك العاملين فيها وزملاء الموظف ورؤساءه الإداريون بل أن نطاق الالتزام بالكتمان قد يتسع ليشمل القضاء بالنسبة إلى بعض الأسرار ذات الاهمية البالغة كالأسرار العسكرية.
تاسعا- ثمة تشريعات متعددة ذات صلة بالتزام الموظف بعدم إفشاء أسرار الوظيفة مثل قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون حق الوصول إلى المعلومات اللذان استثنيا عدد كبير من المعلومات والوثائق من الكشف بوصفها أسراراً وقد جاءت هذه الاستثناءات على درجة من الشمول والاتساع بحيث أصبحت السرية هي الأصل وحق الاطلاع هو الاستثناء.
عاشرا- إن مخالفة الموظف العام الالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة قد يرتب مسؤوليته التاديبية والمدنية والجزائية فضلا عن جواز تحقق مسؤولية الإدارة ذاتها بما في ذلك بطلان ما تصدره من قرارات مستنده إلى معلومات سبق إفشاؤها.

وفي ضوء ما تقدم نوصي بما يلي:

أولا- تحديد معنى السر الوظيفي في مجال الوظيفة العامة سواء كان هذا السر يتعلق بالمصلحة العامة أم بمصلحة الإفراد وإيراد نص صريح في نظام الخدمة المدنية يحظر على الموظف العام إفشاء أسرار الوظيفة العامة.
ثانيا- لا بد من التوفيق بين التزام الموظف بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة وحقه في التعبير عن الرأي أو توجيه النقد بأي من الوسائل المشروعة وان لا تصادر هذه الحقوق والحريات باسم المحافظة على السرية الإدارية.
ثالثا- لا مجال في اعتقادنا لأ عمال هذا الحظر إذا كان ما أدلى به الموظف يكشف أو يساعد على الكشف عن أفعال تدخل في باب الفساد الإداري أو المالي داخل الجهة الإدارية التي يعمل لديها على إن يتبع في ذلك الإجراءات القانونية السليمة، بل أننا نعتقد بضرورة تشجيع الموظف على هذا السلوك لما فيه من فائدة للصالح العام وذلك من خلال منحه محفزات ماديه ومعنوية.
رابعا- لا بد من مراعاة الموازنة بين التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة وما حصل من تطورات حديثة على وسائل الاداره وإعمالها وأهدافها وبخاصة التأكيد على مبدأ الشفافية الإدارية وحق الإفراد في الحصول على المعلومات سيما وان هذا الحق قد ضمنه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
خامسا- بالنظر إلى ما يتضمنه كل من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون حق الوصول إلى المعلومات من استثناءات توسع من نطاق السرية في أعمال الدولة إلى الحد الأقصى مما يتناقض مع مبادئ الشفافية والكشف الأقصى عن المعلومات التي تتعلق بالإدارة ومع حق الإفراد والمجتمع في الاطلاع ، نرى ضرورة أعادة النظر في هذين القانونين بما يحقق التوافق بين مقتضيات حماية الآمن الوطني من جهة وحق المجتمع في المعرفة ومبادئ الشفافية الإدارية من جهة أخرى ،وكذلك وضع القواعد القانونية اللازمة لتنظيم عملية الكشف عن الأسرارالتي تحويها الوثائق المحمية بما يسمح بالكشف عن اقصى مايمكن كشفه من الوثائق والمعلومات التي تهم المواطن سيما تلك التي مضى على حفظها فترة طويلة كأن تكون (خمس وعشرون سنة ) مثلا0
سادسا- توسيع النطاق الشخصي للالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة بحيث لا يقتصر على الموظف العام بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح في القانون الإداري بل يجب إن يشمل كل مكلف بخدمه عامه وكل من ارتبط بعمل مع الادارة لخطورة هذا الالتزام ولمساسه بالمصلحة العامة من جهة وبمصالح الإفراد من جهة أخرى.
سابعا- ان تحديد ماهو سري يجب ان يتم بنص تشريعي صريح ، ولايجوز ان يترك لتقدير الجهة الادارية،لما يمثله ذلك من خروج على مبدا الشفافية الادارية، وعلى حق الافراد في الاطلاع وحريتهم في الوصول للمعلومات0
ثامناً- إخضاع ما تتخذه الادارة من قرارات بشان سرية اي بيان من البيانات او اية وثيقة من الوثائق في ظل اي قانون يجيزلها ذلك الى رقابة القضاء وذلك باتاحة الحق لاصحاب الشأن في الطعن بالقرارات الادارية الصادرة في هذا الخصوص امام محكمة العدل العليا ،ضمانا لحقوقهم 0

مصادر البحث

أولا- باللغة العربية

1. د.خالد خليل الظاهر أحكام تأديب الموظفين في المملكة العربية السعودية معهد الإداره العامة الرياض 2005
2. د. سامي الطوخي الادارة بالشفافية , دار النهضة العربية- القاهرة-2008
3. د. سليمان محمد الطماوي مبادئ القانون الأداري دار الفكر العربي القاهرة 2007
4. د. سليمان محمد الطماوي القضاء الأداري الكتاب الثاني قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام دار الفكر العربي القاهرة 1986
5. د. سليمان محمد الطماوي القضاء الاداري الكتاب الثالث قضاء التأديب دار الفكر العربي القاهرة 1979
6. د.صباح مصباح محمود السليمان الحماية الجنائية للموظف العام دار الحامد للنشر والتوزيع عمان، 2004
7. د.عادل الطبطبائي قانون الخدمة المدنية الكويتي الجديد جامعة الكويت 1983
8. د.عبد الفتاح حسن مبادئ القانون الاداري مكتبة الجلاء الجديد المنصوره 1979
9. د.عزيزه الشرقاوي مساءلة الموظف العام في الكويت جامعة الكويت 1997
10. د.علي أحمد عبد الزعبي حق الخصوصية في القانون الجنائي المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس 2006
11. د.علي جمعة محارب التأديب الاداري في الوظيفة العامة دار الثقافة عمان 2003
12. د.علي خطار شطناوي الوجيز في القانون الاداري دار وائل للنشر عمان 2002
13. د.علي خليل ابراهيم جريمة الموظف العام الخاضعة للتأديب في القانون العراقي بغداد 1985
14. د.علي عبد الفتاح محمد خليل الموظف العام وممارسة الحرية السياسية دار النهضة العربية القاهرة 2002
15. د.فاروق عبد البر دور مجلس الدولة المصري في حماية الحريات الموظف العام لم يذكر دار النشر 1998
16. د.فواز صالح المبادئ القانونية التي تحكم الاخلاقيات الحيوية مجلة الشريعة والقانون جامعة الامارات العربية والمتحدة السنة 19 العدد 22 يناير 2005
17. د.محمد بكر حسين الوسيط في القانون الاداري دار الفكر الجامعي الاسكندرية 2006
18. د.محمد ماجد ياقوت الدعوئ التأديبية دار الجامعة الجديد الاسكندرية 2007
19. ممدوح طنطاوي الجرائم التأديبية ط1 منشأة المعارف الاسكندرية 2003
20. موريس نخلة شرح قانون الموظفين ط1 دار المنشورات الحقوقية مطبعة صادر لم يذكر تاريخ النشر
21. د.نواف كنعان القانون الاداري الكتاب الثاني دار الثقافة عمان 2009
22. د.نواف كنعان الخدمة المدنية في دولة الامارات العربية المتحدة مكتبة الجامعة – الشارقة
23. يحيى شقير قراءة في مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات بدون معلومات نشر
الدستور الاردني لسنة 1952
الدستور المصري لسنة1971
القانون المدني رقم 43 لسنة 1976
قانون هيئة مكافحة الفساد رقم 62 لسنة 2006
قانون ديوان الظالم رقم 11 لسنة 2008
قانون العقوبات رقم16لسنة1960
قانون حماية اسرار ووثائق الدولة رقم50لسنة 1971
قانون الخدمات البريدية رقم 34 اسنة 2007
قانون الاحصاءات العامة المؤقت رقم 8 لسنة2003
قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998
قانون أشهار الذمة المالية رقم 54 لسنة 2006
قانون البينات لسنة1952
نظام هيئة تنظيم الطيران المدني رقم 16 لسنة 2006
نظام هيئة مكافحة الفساد رقم 92 لسنة 2007
نظام الخدمة المدنية رقم لسنة 2007
تعليمات هيئة أعتماد مؤسسات التعليم العالي رقم 20 لسنة 2007

خاتمة

تبين لنا مما سبق من البحث أن إفشاء أسرار الوظيفة العامة يعد واحدا من أهم المحظورات على الموظف العام حيث أجمعت عليه أحكام التشريع وأراء الفقه والقضاء الإداري الأردني والمقارن رغم تباين مواقفها ازاء مضمون هذا الالتزام السلبي ونطاقه وما يرد عليه من استثناءات وما يترتب على مخالفته من أثار قانونيه لقد خلصت هذه الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات في هذا المجال حسبنا أن نبين أبرزها فيما يلي:

أولا– يسري الالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة على الموظف العام أيا كانت الإداة القانونية التي تقلد بموجبها وظيفته أن بقرار أداري أو بعقد توظيف أو بناء على تكليف.
ثانيا– لم يستقر المشرع الأردني على تعريف محدد للسر الوظيفي بل تركه لتقدير الجهات الأداريه المختلفة.
ثالثا– خلا نظام الخدمة المدنية من أي نص يحظر على الموظف إفشاء ما يطلع عليه من أسرار . مكتفيا بالنص على منع الموظف من الاحتفاظ خارج مكان عمله بأي وثيقة أو مخابره رسمية أو نسخه أو صوره عنها أو تسريبها أو التصريح عنها لجهة خارجية ولاشك أن إيراد هذا النص ـ على أهميته ـ لا يغني عن النص الصريح على حظر إفشاء الأسرار الوظيفية.
رابعا– تعددت النصوص القانونية التي تحظر على الموظف إفشاء أسرار الوظيفة وتباينت مراتبها بين دستوريه وقانونية و تعليمات إدارية ، في حين حظر إفشاء أسرار وظيفية او مهنية معينة بموجب مواثيق وإعلانات دولية.
خامسا– بالنظر إلى أهمية بعض الوظائف العامة وخطورة ما قد يطلع عليه الموظف الذي يمارس اختصاصات تلك الوظائف من أسرار فقد أوجبت بعض التشريعات الأردنية على الموظف إن يوقع تعهدا يلتزم بموجبة بعدم إفشاء ما قد يطلع عليه بحكم وظيفته من أسرار، في حين أوجبت تشريعات أخرى إن يؤدي الموظف القسم قبل مباشرة مهام وظيفته بعدم إفشاء ما يطلع عليه من أسرار.
سادسا– لا يمارس القضاء الإداري رقابته على تقدير الإدارة لطبيعة البيانات فيما إذا كانت سرية أم غير سرية إلا من خلال الطعن في القرار التأديبي الصادر بحق الموظف لا خلاله بهذا الالتزام بوصفة يمثل ركن السبب في ذلك القرار.
سابعا– يرتبط التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة مع التزاماته الأخرى الايجابية منها والسلبية ويتكامل معها وبخاصة الالتزام بعدم الاحتفاظ بأي وثيقة من وثائق الدولة أو تسريبها أو التصريح عنها كذلك التزامه بطاعة الروؤساء وبواجب التحفظ والتفرغ للوظيفة العامة لان مخالفة أي من هذه الالتزامات يمكن أن يؤدي إلى مخالفه الالتزام بحظر إفشاء أسرار الوظيفة.

ثامنا– تختلف الجهات التي يلتزم الموظف في مواجهتها بعدم إفشاء الأسرار وذلك بحسب طبيعة وأهمية ونوع الأسرار التي أطلع عليها وطبيعة اختصاصات الوظيفة فقد تقتصر على الجهات التي لا صله لها بالا داره التي يعمل بها الموظف وقد تمتد لتشمل جميع جهات الإدارة بما في ذلك العاملين فيها وزملاء الموظف ورؤساءه الإداريون بل أن نطاق الالتزام بالكتمان قد يتسع ليشمل القضاء بالنسبة إلى بعض الأسرار ذات الاهمية البالغة كالأسرار العسكرية.
تاسعا– ثمة تشريعات متعددة ذات صلة بالتزام الموظف بعدم إفشاء أسرار الوظيفة مثل قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون حق الوصول إلى المعلومات اللذان استثنيا عدد كبير من المعلومات والوثائق من الكشف بوصفها أسراراً وقد جاءت هذه الاستثناءات على درجة من الشمول والاتساع بحيث أصبحت السرية هي الأصل وحق الاطلاع هو الاستثناء.
عاشرا– إن مخالفة الموظف العام الالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة قد يرتب مسؤوليته التاديبية والمدنية والجزائية فضلا عن جواز تحقق مسؤولية الإدارة ذاتها بما في ذلك بطلان ما تصدره من قرارات مستنده إلى معلومات سبق إفشاؤها.

وفي ضوء ما تقدم نوصي بما يلي:

أولا– تحديد معنى السر الوظيفي في مجال الوظيفة العامة سواء كان هذا السر يتعلق بالمصلحة العامة أم بمصلحة الإفراد وإيراد نص صريح في نظام الخدمة المدنية يحظر على الموظف العام إفشاء أسرار الوظيفة العامة.
ثانيا– لا بد من التوفيق بين التزام الموظف بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة وحقه في التعبير عن الرأي أو توجيه النقد بأي من الوسائل المشروعة وان لا تصادر هذه الحقوق والحريات باسم المحافظة على السرية الإدارية.
ثالثا– لا مجال في اعتقادنا لأ عمال هذا الحظر إذا كان ما أدلى به الموظف يكشف أو يساعد على الكشف عن أفعال تدخل في باب الفساد الإداري أو المالي داخل الجهة الإدارية التي يعمل لديها على إن يتبع في ذلك الإجراءات القانونية السليمة، بل أننا نعتقد بضرورة تشجيع الموظف على هذا السلوك لما فيه من فائدة للصالح العام وذلك من خلال منحه محفزات ماديه ومعنوية.
رابعا– لا بد من مراعاة الموازنة بين التزام الموظف العام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة وما حصل من تطورات حديثة على وسائل الاداره وإعمالها وأهدافها وبخاصة التأكيد على مبدأ الشفافية الإدارية وحق الإفراد في الحصول على المعلومات سيما وان هذا الحق قد ضمنه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
خامسا– بالنظر إلى ما يتضمنه كل من قانون حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون حق الوصول إلى المعلومات من استثناءات توسع من نطاق السرية في أعمال الدولة إلى الحد الأقصى مما يتناقض مع مبادئ الشفافية والكشف الأقصى عن المعلومات التي تتعلق بالإدارة ومع حق الإفراد والمجتمع في الاطلاع ، نرى ضرورة أعادة النظر في هذين القانونين بما يحقق التوافق بين مقتضيات حماية الآمن الوطني من جهة وحق المجتمع في المعرفة ومبادئ الشفافية الإدارية من جهة أخرى ،وكذلك وضع القواعد القانونية اللازمة لتنظيم عملية الكشف عن الأسرارالتي تحويها الوثائق المحمية بما يسمح بالكشف عن اقصى مايمكن كشفه من الوثائق والمعلومات التي تهم المواطن سيما تلك التي مضى على حفظها فترة طويلة كأن تكون (خمس وعشرون سنة ) مثلا0
سادسا– توسيع النطاق الشخصي للالتزام بعدم إفشاء أسرار الوظيفة العامة بحيث لا يقتصر على الموظف العام بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح في القانون الإداري بل يجب إن يشمل كل مكلف بخدمه عامه وكل من ارتبط بعمل مع الادارة لخطورة هذا الالتزام ولمساسه بالمصلحة العامة من جهة وبمصالح الإفراد من جهة أخرى.
سابعا-ان تحديد ماهو سري يجب ان يتم بنص تشريعي صريح ، ولايجوز ان يترك لتقدير الجهة الادارية،لما يمثله ذلك من خروج على مبدا الشفافية الادارية، وعلى حق الافراد في الاطلاع وحريتهم في الوصول للمعلومات .
ثامناً– إخضاع ما تتخذه الادارة من قرارات بشان سرية اي بيان من البيانات او اية وثيقة من الوثائق في ظل اي قانون يجيزلها ذلك الى رقابة القضاء وذلك باتاحة الحق لاصحاب الشأن في الطعن بالقرارات الادارية الصادرة في هذا الخصوص امام محكمة العدل العليا ،ضمانا لحقوقهم .
م.ن

لماذا لا تكون اول معجب

 

الدخول الى الرئيسية اسال محامي اون لاين